غزّة المأساة… غزّة البطولة

جورج كعدي

أخاله شعور جميع الأحرار في منطقتنا والعالم غير المتصهين، بأنّ ما يحصل في غزّة اليوم يدمي القلب ويدعو إلى العزّة والافتخار في آن واحد، فمشهد الدم الزكيّ المراق مختلط بمشهد المقاومة البطوليّة الإعجازيّ، ولا يمكن التغاضي في الميزان الإنسانيّ الوجدانيّ العاطفيّ عن أيّ منهما، فأحدهما شديد الإيلام والآخر مفرح ومبهج وباعث للفخر والحماسة. ويقتضي الإنصاف التوقّّف عند كلا المشهدين والتأمّل في معانيهما ودلالاتهما وعِبَرهما على ضوء الصراع التاريخيّ الذي يفرض، لاسترداد الحقّ والأرض والحريّة والكرامة، كلا الأمرين، البطولة والشهادة، فماذا في المشهد الغزّي، في شقّيه، المأسويّ والبطوليّ؟

في مشهد الموت الفلسطينيّ والشهادة أوّلاً:

استشهاد أطفال غزّة أسقط نهائيّاً وإلى الأبد الأقنعة عن وجوه: 1 ـ شخصيّة يهوديّة صهيونيّة مريضة تتّسم بالوحشيّة المتغذّية بالدم، وبالجبن البيّن، فهذا المحتلّ الغاصب والتافه مدجّج حتّى أسنانه بأكثر الأسلحة تطوّراً ويعجز عن خوض حرب ميدان وقتال رجال فيلجأ إلى المجازر في حقّ المدنيّين، وفي مقدّم هؤلاء الأطفال والنساء والعجّز، وبأحقر الوسائل، الطائرات المحلّقة على ارتفاعات شاهقة التي يتلذّذ وحوشها بضغط أزرار القنابل فوق رؤوس البشر، ولا أجبن بالتالي من «طيّار» صهيونيّ وحش يطلق ضحكته الهستيريّة وهو يشلّع أبدان الرضّع بسلاحه الجبان قبل عودته إلى قاعدته الأرضيّة منتشياً بـ»النصر»! وبإنجاز «المهمّة»! ولا فرق بينه مع قادته المسعورين المرضى وبين طيّاري الفوهرر النازيّ الذي يشكو الصهاينة المنافقون ظلمه وإجرامه التاريخيّ! 2ـ مجتمع سياسيّ عالميّ فقد إنسانيّته بالكامل وما عاد يهزّه مشهد المجازر التي ترتكبها عصابة الصهاينة في فلسطين في حقّ المدنيّين المحرومين حتى من الملاجئ التي تحميهم من القتل الجبان بالطائرات ومدافع الدبّابات! فأيّ «مجتمع دوليّ» حقير هذا يكشف عن وجهه المجرم السافر، عديم الشفقة والإنسانيّة، بسكوته وتواطئه وتغطيته جرائم جبناء بني صهيوني الذين يفتكون بالعزّل ويعجزون عن مواجهة مقاوم واحد! فأين زعماء العالم المسمّى «ديمقراطياً» و»حرّاً» و»ليبراليّاً» و»حامياً لحقوق الإنسان»؟ أين هم من المدعوّة «إسرائيل» ترتكب المجازر الفرديّة والجماعيّة، تحتلّ، تحاصر، تصادر الأراضي، تجرف، تحرق، تدمّر، تعتقل، تضرب، تُذلّ، تنكّل…؟! أين هم من محتلّ وحش مطلق اليدين لا أحد يلجمه ولا عدالة تحاكمه ولا «منظّمة عالميّة» مثل «الأمم المتحدة» رغم خرافيّتها وتبعيّتها وتفاهتها تدينه أو تدلّ ولو ببيان إنشائيّ على جرائمه؟! أين «حقوقيّو» أوروبا والولايات المتحدة، القضاة والمحامون وأساتذة الحقوق؟! أين الفلاسفة والمفكّرون والأكاديميّون باستثناء البعض المشارك في التظاهرات القائمة راهناً على مستوى العالم، كي لا نعمّم في المطلق وسائر القوى الحيّة والمؤثّرة في المجتمعات؟! لكن أين خاصّة قوّة الكنيسة الكاثوليكية بدءاً بالفاتيكان الذي لا يبدي أيّ ردّ فعل أكثر من «الصلاة» أو «الاستنكار» أو «الدعوة إلى السلام» كأنّما البابا يؤدّي بذلك قسطه للعلى ويقوم بالواجب ويسجّل موقفاً… وانتهى الأمر؟! . الشعب الفلسطينيّ أعزل حيال عالم غربيّ دجّال، مجرم، منافق، بلا قلب وبلا شعور إنسانيّ، يتفرّج على موت الأطفال بعقل وحشيّ بارد، بل يمضي إلى حدّ تبرير أفعال الإجرام الصهيونيّ تحت شعار «حقّ الدفاع عن النفس» وأيّ حقّ هذا وأيّ دفاع وأيّ نفس؟! مغطيّاً جرائم اليهوديّ الصهيونيّ الـ»سايكوباتيّ» المريض الذي لا يرتوي إلاّ بالدم ولا يقتات إلاّ من أشلاء البشر… وحش متفلّت من أيّ لجم أو سلطة أو عدالة أو حساب أو قانون… إلاّ من سلطة رجال المقاومة الفلسطينيّة الذين لم يبق أمامهم سوى حلّ واحد هو قتل هذا الوحش الصهيونيّ قبل أن يقضي بطيّاريه الجبناء على أطفال فلسطين الضعاف المساكين وقد تغاضى الوحش الغربيّ، الأميركيّ والأوروبيّ، ومعهما وحش الصحراء العربيّ، عن صور أشلائهم وموتهم اليوميّ المنقول عبر شاشات العالم!

في مشهد البطولة الملحميّة ثانياً:

أبدعت مقاومة غزّة الفلسطينيّة، وخلفها القوى الداعمة والمسلِّحة والموجِّهة والناصحة حزب الله، سورية، إيران… ، قبل المواجهة الراهنة وطوال أشهر وسنين، في إعداد خطط المواجهة المستقبليّة التي باتت واقعاً اليوم بسرّية تامّة وفي غفلة من استخبارات الصهاينة المفترض أنها يقظة، ما شاء الله، «وتفلّي النملة» فوق أرض فلسطين، وبخاصة فوق غزّة المحاصرة. إذن، تُهنّأ جميع فصائل المقاومة في غزّة، التي أظهرت أنّها تلميذة نجيبة لتجارب المقاومات الأخرى، وفي مقدّمها مقاومة حزب الله، وأنّها تعلّمت الدروس من التجارب الغزّية السابقة مع العدو السفّاح المجرم فأعدّت له العدّة والعديد على أكمل وجه، مدعومة بالسلاح والتكنولوجيا والأرجح أيضاً بالتدريب والتنظيم من الأطراف الأخرى في المحور المقاوم الممتدّ من فلسطين إلى إيران… وربّما إلى أبعد روسيا والصين… وربما كوريا الشمالية، ولم لا ومن يدري؟! فمع هذا الوحش المدعوّ «إسرائيليّاً» لا تفيد مفاوضات ولا معاهدات ولا هدنات… تفيد فحسب لغة القوّة والسلاح والقتال والمواجهة والمباغتة والالتفاف وبناء غزّة ثانية تحت الأرض واصطياد ضباط وجنود وأسرهم وقتلهم وجرحهم وتدمير آلياتهم وإخافتهم ومفاجأتهم وإصابتهم بالذعر… هذا ما يفيد مع «الإسرائيليّ» الوحش والنتن والمختلّ عقليّاً وعاطفيّاً… وها المقاومون الأبطال الملحميّون، تلاميذ مقاتلي حزب الله النجباء، المقاتلون «المتكتكون» على طريقتهم وبأسلوبهم المرعب المباغت الرشيق، يسطّرون الملاحم اليوميّة بصمت، قتالاً وتحرّكاً سرّياً وقذفاً للصواريخ على أوكار الصهاينة الجبناء النذلاء المقبورين في الملاجئ مثل الجرذان المختبئة المذعورة. وأعظم ما في مقاومي غزّة اليوم صمتهم وإنجازاتهم العمليّة بعيداً عن الصورة والفيديوات «الداعشيّة» الاستعراضيّة التي تشهر الأعلام السود والشعارات الفارغة والأكباد على رؤوس السيوف والبنادق!

إنّها المقاومة السرّية، الفاعلة، البطلة، فائقة التنظيم والتنسيق، الرشيقة، المبهرة…

إنها مستقبل فلسطين العائدة قريباً إلى أهلها أصحاب الأرض والحقّ… إنها الوعد القريب بالنصر الآتي… اللبنة الإضافية الحقيقيّة في بنيان التحرير… اللحظة التاريخيّة الأفعل والأعظم التي تثبّت نتائج حرب تموز 2006 وفي مقدّمها إسقاط هيبة «الردع» الواهية عن الصهيونيّ الواهم الجبان. غزّة 2014 تثبّت نصر لبنان 2006، تُكْملُه، بالشهادة نفسها والبطولة عينها، وها «إسرائيل» تغدو أكثر فأكثر ضعفاً من الماضي، «أسطورة» مكشوفة، معرّاة ساقطة، لا تخيف أحداً، لا المقاتلين المقاومين فحسب، بل حتّى الأطفال الذين ما عادوا يهابون هذا العدوّ الجبان التافه، والبرهان:

ألم يكن أطفال شاطئ غزّة يلهون، رغم القصف والموت والدمار، بلا خوف وفي العراء حين باغتهم الطيّار الجبان المختلّ نفسيّاً وحوّلهم أشلاء؟!

أليست هذه حقيقة أنّ «إسرائيل» لم تعد تخيف أحداً إلاّ الجبناء والعملاء وضعاف النفوس الذين يودّون بقاءها «أسطورة مخيفة»؟!

أليس لحم الأطفال الحيّ منتصراً اليوم في غزّة على نار «إسرائيل» الجبانة وحديدها الثقيل الفظّ الذي تذوّبه «كورنيت» المقاومين وتحرق جنوده؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى