محددات جنيف الرئيسية وفرص النجاح…
سعد الله الخليل
تصريح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان ديميستورا بافتتاح الجولة الثانية من محادثات جنيف بنسختها الثالثة بدا بمثابة بالون الاختبار السياسي لقياس ردود الفعل السورية حول مجريات المفاوضات بإعادة طرحه مسألة المرحلة الانتقالية التي استدعت اعتراض رئيس الوفد السوري الدكتور بشار الجعفري ومطالبته ديميستورا بالالتزام بنزاهته كوسيط في المفاوضات. سجال جنيف لا يخرج عن السجال الذي سبقه بأيام بين ما أعلنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن الساعات الأربع والعشرين الاختيارية لنية الأطراف القائمة على إدارة الجولة الثانية من محادثات جنيف والرد غير المباشر من المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بوصفه مايسترو المحادثات وخروج الوزير المعلم عن هدوئه المعهود، والذي يميز الدبلوماسية السورية ليوجه الانتقادات بنبرة عالية الى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بتخطي صلاحياته كوسيط بين الأطراف السورية والقوى الدولية الكبرى والإقليمية، والانحياز ومحاولة فرض مشاريع ومطالب خارج الإجماع السوري والدولي خصوصاً ما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية. وبالرغم من الأخذ والرد تبدو الإشارات الواضحة لمسار المحادثات بتقارب وجهات النظر حول انطلاق المسار السياسي للحل للأزمة السورية عبر تأكيد دي ميستورا ودمشق وموسكو وواشنطن بأن لا خيارات أخرى عن التفاوض وهو ما يعني قطع الطريق على أي خيارات أخرى وحتى البدائل التي طرحها دي ميستورا لفشل الحوار سواء بالعودة بالملف السوري لمجلس الأمن أو العودة للقتال لا تحمل في طياتها أي جديد، ولا مصلحة للأطراف التي يظهر دي ميستورا انحيازه إليها أي آمال بمكاسب سياسية ولا عسكرية بعد أن جربت مسار مجلس الأمن الذي أفضى إلى محادثات جنيف، فلولا الإصرار الروسي على المفاوضات كطريق وحيد لحل الأزمة السورية لما وصلت الأطراف الدولية إلى تفاهمات فيينا وقرار وقف الأعمال القتالية الذي باركته كل الأطراف الدولية وما تزال تصر على ضرورة صموده بدل الذهاب إلى الاقتتال والعودة الى الميدان الذي يهدد به دي ميستورا، وبالتالي فإن بدائل ديميستورا لا مكان لها في فكر القوى الكبرى الضاغطة على مجريات الأحداث بعيداً عن أوهام دي ميستورا وحلفاء واشنطن الإقليميين في الرياض وأنقرة، لتبقى المحادثات الخيار الوحيد المتفق عليه من كل الأطراف وربما في هذا التوافق ما يبرر تفاؤل دي ميستورا بالمضي في المفاوضات. وسط الأخذ والرد حول الشأن السوري خرج المبعوث الاممي السابق الى سورية الأخضر الابراهيمي وعلى طريقة الرؤساء والمسؤولين بعد استقالتهم الذين تنتابهم أعراض صحوة الضمير، ليعلن بصواب المقاربة الروسية للوضع في سورية ووصفها بالأكثر واقعية من المقاربات الأخرى، مبدياً اعتقاده بأنه كان يتعين على الجميع الاستماع إلى رأي الروس لإنهاء الأزمة السورية قبل 4 سنوات لو أصغى الغرب لروسيا أي قبل تسلمه منصبه وهو ما يطرح تساؤلات عن تأخير تكون قناعاته لحين تقاعده وبعد التدخل الروسي المباشر على الأرض السورية، في حين كان دوره أكثر سوءاً من دور دي ميستورا وطرفاً ضاغطاً على الحكومة فاق ما يمارسه دي ميستورا بمراحل وهو ما يكشف بأن دور المبعوث الأممي لا يتجاوز قيادة أوركسترا تعزف نوتة تكتب في الغرف المغلقة وتخضع للتنقيح عشرات المرات بحسب الضغوط والقوى الدولية والإقليمية. أمام جملة المعطيات والوقائع يبدو مسار الأحداث السورية بعد خمس سنوات من فشل الحلول العسكرية وسقوط مشاريع الحرب على سورية يبدو الحل السياسي الوحيد في الأفق وتبقى الخلافات على تفاصيل تدرك الأطراف كافة خطورتها لذلك يسعى كل طرف لكسب رهاناتها من بوابات المرحلة الانتقالية والانتخابات ومسائل تكتيكية حاضرة في ذهن وخيارات دمشق وموسكو لقطع الطريق على الطرف الآخر كسب نقاط عجز عن تحقيقها في جولات القتال خلال السنوات الخمس الماضية.