عنصر المفاجأة الروسية: مرتين

روزانا رمّال

يتوجّه الرئيس سعد الحريري إلى فرنسا بعد زيارة النائب وليد جنبلاط إليها ولقاء الرئيس فرانسوا هولاند في وقت تتفاجأ المنطقة بإعلان روسي عسكري هام يخلط كل الأوراق ويفتح الخيارات كلها أمام اللاعبين في الشرق الأوسط والعالم ويحمل اللبنانيين أكثر على الترقب والانتظار.

القرار الروسي الهام الذي أعلن عنه بوتين يتمثل ببدء عملية الانسحاب العسكري من سوريا «للجزء الأكبر من القوات الروسية من سوريا اليوم مع الإبقاء على القاعدة البحرية الروسية في سوريا وعملها كما السابق».

يتحدث بوتين بعد الخطوة المفاجئة عن أن القوات الروسية في سوريا أوجدت ظروفاً ملائمة لعملية السلام، أي أن فرص التقدم بالحلول السياسية باتت أعلى، الانسحاب الروسي الجزئي من المشهد يشكل أرضية تسحب ذريعة مَن برر عدم مشاركته بالمفاوضات بظل هيبة السلاح الروسي، وإما سياسياً تضع موسكو واشنطن أمام مسؤولياتها إما استغلال الفرصة وإما ستاتيكو يدخل المنطقة برمّتها بأزمات لن تنتهي. فالحسم في سوريا على طريقة إنهاك روسيا بضغطها نحو زاوية الامتناع عن تجاوب واشنطن بالضغط على حلفائها في جنيف على أساس أن روسيا متورطة في سوريا غير وارد، بالنسبة لبوتين وإذا لزم الأمر «أسحب قواتي من سوريا».

يلفت في الخطوة الروسية استخدام عنصر المفاجأة في كلتا الحالتين ففي الدخول العسكري بالقتال في سوريا باغتت موسكو خصومها اللاعبين في تلك الأرض وخلطت الأوراق كلها وتقدمت مع حلفائها السوريين والإيرانيين والقوى الشعبية نحو تحرير جزء كبير من الأرض السورية الواقعة بيد الإرهاب. وها هي تخلط الأوراق مرة أخرى بعنصر المفاجأة مجدداً وتعلن بدء عملية الانسحاب العسكري من سوريا. تخلط روسيا الأوراق مجدداً وتضع الغرب أمام تحدٍّ أكبر لإبراز جدية في الجولة المقبلة التي تترافق مع هدنة برعاية روسية أميركية وتصريحات أميركية عبّر عنها وزير الخارجية جون كيري عن أن الآوان حان لإنهاء الحرب في سوريا واليمن يُضاف إلى كل هذا حديث أوباما لمجلة أتلانتيك أكد فيه على تقاطعه مع الموقف الروسي وندمه على غزو ليبيا مع الأطلسي.

تضغط روسيا من جهة لإظهار جدية نابعة من منطلق قلق سيبثه انسحابها من سوريا مع ما يعنيه من مخاوف أوروبية على امتداد الإرهاب او حتى بقائه عنصر قلق اكبر لا يريد احد دفع ثمن التخلص منه، في وقت تؤكد روسيا حماية النظام السوري من جهة وعينها الأخرى التي تحمي مصالحها عبر بقاء قواعدها، بما يسمح لها القيام بعمليات أمنية محددة عند الضرورة.

سياسياً تستبدل روسيا موقعها في سوريا بدلاً من الداعم المنحاز كلياً للأسد بالطرف الضامن الوسطي في سوريا، بحيث تصبح أكثر مقبولية من المعارضة، فتدخل التسوية السياسية بسرعة زمنية أكبر وأكثر إنتاجية. عنصر المفاجأة الروسي لعب دوراً في حسم الحرب مرتين الأولى في الحسم الميداني بإعلان الدخول إلى الحرب والثانية بالحسم السياسي بإعلان بدء الانسحاب منها.

تضع روسيا ملفات المنطقة برمتها أمام مشهد التعقيد القابل للتصعيد، إذا لم تتلقف واشنطن الأزمة وتساهم فعلياً في الضغط على حلفائها من أجل إنجاح هذه الجولة من مفاوضات جنيف فلم يعُد ممكناً قبول التعنت السعودي التركي وتضييع المزيد من الوقت بحجة عدم قدرة واشنطن على الضغط، وبالتالي فإن روسيا التي تبدو مستعجلة للحل في سوريا وهو الحل الذي تتوقف عنده مجمل الملفات، تعلن رسمياً أنها مستعدة لعرقلة كل الملفات المتبقية وأولها ملف التسوية السياسية المتعلقة باليمن بين السعودية والحوثيين ومستعدة أيضاً لتأجيل المشهد الرئاسي في لبنان او إبقائه على ما هو عليه. الانسحاب الروسي العسكري يوحي بطريقة أو بأخرى نية بالانسحاب السياسي من أي ملف تستطيع أن تلعب فيه دوراً وسيطاً منتجاً وتقول إن تعقيد الأزمة باعتبار أن واشنطن عاجزة أمام حلفائها لا يمنع من أن يؤدي بروسيا اعتبارها أيضاً عاجزة عن الضغط على حلفائها في سوريا واليمن ولبنان.

زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط تناولت بشكل أساسي، حسب المعلومات العلاقة الإيرانية – الفرنسية المستجدة وإمكانية أن تساهم فرنسا في الحل بملف الرئاسة إيجاباً عبر هذه العلاقة، فكان الرد الفرنسي بأن باريس قامت بما أمكنها في ما يتعلق بالملف، وعرضت على طهران المساعدة في ذلك. ينقل جنبلاط تفاجؤاً فرنسياً من الخطوة السعودية بإلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لكن الأهم خروجه باعتبارات تشير إلى أن مرشحه هنري حلو لا يزال واحداً من المرشحين المطروحين أي أنه لم يحسم بعد دعمه لواحد من المرشحين الأساسيين فأجواء الاليزيه لم تقدم ما هو ملموس، إلا أن الحريري لحق بجنبلاط إلى فرنسا للبحث بالملف مجدداً. الملف الرئاسي اللبناني الذي كاد يبصر النور أكثر من مرة مرجح هو الآخر بالخطوة الروسية إلى المزيد من التعقيد فإذا كان قرار بوتين يشكل ضغطاً على الغرب، فإن هذا الضغط الذي بدا في سوريا فقط لن يقتصر عليها هذا ما تدركه واشنطن اليوم، وهي التي باتت اليوم تبالغ في تقديم موقفها بصورة العاجز عن الضغط على حلفائها… ليسأل بوتين «هل عليّ أن أتقبّل»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى