تقرير

تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تتجه تركيا بثبات نحو التسلط وعدم الاستقرار. وكان استيلاء الحكومة مؤخراً على واحدة من المجموعات الإعلامية المعارِضة الرئيسة، بما في ذلك الصحيفة الأعلى انتشاراً في تركيا، مجرّد أحدث دليل فقط على مدى خذلان أردوغان لإمكانيات بلاده وفرصها.

عندما تولى أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، سدة السلطة عام 2003، فإنهم عزّزوا الاقتصاد التركي وحسَّنوا علاقات تركيا مع جيرانها. وسعى حزب العدالة والتنمية إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ووضع نهاية لسيطرة العسكر على السياسة التركية، وحاول إيجاد حلّ سلمي للمشكلة الكردية التي طال أمدها في البلاد.

وبحلول عام 2012، استطاع أردوغان أن يعلن بثقة: «لدينا مستقبل مشرق». وبعد نحو عقد من التقدم السياسي والنمو الاقتصادي والقبول الدولي المتزايد، جرؤ على الوعد بأن تركيا ستكون بحلول عام 2023، في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، «من أعظم القوى في المنطقة والعالم».

لكن مستقبل تركيا اليوم يبدو أكثر قتامة بكثير. فبدلاً من العظمة، قاد أردوغان بلده نحو السلطوية، والتباطؤ الاقتصادي، والحرب الأهلية.

من الواضح أن الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر في عهد أردوغان الآن. وقد أخلت الإصلاحات التحويلية التي وعد بها حزب العدالة والتنمية في البدايات مكانها للانتهاكات المنهجية للحريات الأساسية والحقوق القانونية. وكانت محاولة حزب العدالة والتنمية التي كثيراً ما بُشِّر بها لمحاسبة الجيش على سلوكه غير الديمقراطي مجرد محاكمة صورية تم فيها تلفيق الأدلة لتوريط المعارضين السياسيين. وكان التدخل المبكر في وسائل الإعلام ـ ضرب تكتل وسائل الإعلام المعارِضة بغرامة من الضرائب تعادل 2.5 مليار دولار عام 2009، وإجبار إحدى الصحف على إقالة كاتب منتقد عام 2007 ـ مجرد مقدمة فقط لجهود حزب العدالة والتنمية الحثيثة الحالية لتكميم فم الصحافة، سواء بسجن الصحفيين أو بإجازة عمليات استحواذ الحكومة على وسائل الإعلام المنتقِدة. ولم ينجُ المجتمع المدني من تكتيكات أردوغان الخرقاء أيضاً: ففي عام 2013، قوبلت الاحتجاجات ضد الحكومة في متنزه غازي في اسطنبول بعنف الشرطة القاتل.

في واقع الأمر، تعيد التطورات الأخيرة في تركيا إلى الأذهان الكليشيات المخيفة واللحظات المظلمة للاستبداد في القرن العشرين. وعلى سبيل المثال، قام برلماني من حزب العدالة والتنمية بقيادة عصابة من الرعاع لمهاجمة مكاتب صحيفة انتقدت أردوغان قبل بضعة أيام فقط. وتمت إزالة أسماء عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم الرئيس السابق عبد الله غول، من القائمة الرسمية للأعضاء المؤسسين للحزب على الإنترنت. ومن بين آلاف آخرين، تم القبض على صبيّ يبلغ من العمر 13 سنة بتهمة إهانة أردوغان، كما ندّد زوج امرأة فعلت مثل ذلك بها في المحاكم. وتم إرسال عشرات الآلاف من الأطفال، بمن في ذلك أبناء الأقليات الدينية، قسراً إلى المدارس الإسلامية، أو تم إجبارهم على تلقي التعليم الديني الإسلامي بشكل إلزامي. والآن، وفي حين يسعى أردوغان إلى تحويل الدستور التركي من أجل ترسيخ سلطته كرئيس، فإن من المرجح أن تصبح مثل هذه التجاوزات هي القاعدة.

عادة ما يبرّر الزعماء المستبدون حكمهم من خلال الإصرار على أنهم يجلبون الاستقرار والازدهار لمواطنيهم. وفي تركيا، تضع سياسات أردوغان هاتين الغايتين أبعد ما يكون عن متناول الشعب التركي. فبعد دعم الجماعات المتطرّفة في سورية وتسليحها، تشهد تركيا الآن ردّ فعل سلبي خطير من الإرهاب نفسه الذي ساعدت في تأجيجه. وقد تسببت التفجيرات في اسطنبول وأنقرة بمشاهد مروعة من المذبحة. ومع ذلك، تواصل تركيا الإصرار على أن الجماعات الكردية السورية ـ لا «داعش» أو «جبهة النصرة» ـ هي التي تشكل أكبر تهديد في سورية.

الآن، أصبحت تداعيات هذا التسلط وعدم الاستقرار تلقي بآثارها على قطاع السياحة في تركيا وتنفر المستثمرين الأجانب، وتترك عدداً من الاقتصاديين مع مشاعر القلق على مستقبل الاقتصاد التركي. ففي عام 2008، كانت قيمة الليرة التركية مساوية للدولار الأميركي تقريباً. أما الآن، فأصبح سعر صرفها مقابل الدولار يعادل 3 إلى 1. وعلى رغم أن الجهود التي تبذلها تركيا لرعاية الملايين من اللاجئين السوريين تظل مثيرة للإعجاب حقاً، فإن هذه الجهود تفرض ضريبة على الاقتصاد التركي بطرق يعيها المواطنون الأتراك العاديون جيداً.

أما الأسوأ من ذلك كله، فهو أن انهيار المفاوضات بين حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني في السنة الماضية أعاد إشعال جذوة الصراع العسكري الذي كان الكثيرون قد أملوا أن تكون تركيا على وشك حله. ومع أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية لها سجل حافل من العنف الذي يجعلها بالكاد الشريك المثالي لتحقيق السلام، فإن للشعب التركي مع ذلك الحق في مساءلة حكومته عن فشل المفاوضات. والآن، يواصل الجنود والمدنيون الأتراك الموت في الصراع المتفاقم الذي ليست لدى الحكومة خطة واقعية لوقفه أو الفوز به. وينذر التفجير المروع الذي وقع في أنقرة يوم 17 شباط، والذي نفذه فصيل منشق عن حزب العمال الكردستاني، بانتشار العنف الذي يمكن يعيد إلقاء تركيا مرة أخرى في خضم الحرب الأهلية التي دمرت البلاد في السبعينات والثمانينات.

إننا ما نزال نعتقد أن وجود تركيا قوية ومستقرة وديمقراطية على حدّ سواء، أمر ممكن وضروري أيضاً. ولكن ذلك يتطلب حكومة ملتزمة بهذه الأهداف وعازمة على تحقيقها. وإذا كان أردوغان ما يزال يرغب في صنع مستقبل أكثر إشراقاً لبلاده، فإن عليه إما الإصلاح أو الاستقالة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى