خفض القوات الروسية: نقاط على الحروف

حميدي العبدالله

منذ صدور قرار الرئيس الروسي بخفض عديد القوات الجوية العاملة في سورية، لم ينقطع سيل التحليلات والتكهنات حول أسباب وأهداف هذه الخطوة، وفي هذا التوقيت بالذات. وعلى الرغم من أنّ البيانات الرئاسية، الروسية والسورية، كانت واضحة ومحدّدة ودقيقة، لكنّ ذلك لم يحُل دون صدور تحليلات تشير إلى تغيير في الموقف الروسي في سورية، بل أنّ البعض ذهب أبعد من ذلك وتحدث عن صفقة روسية ـ أميركية، على حساب الدولة السورية، وربما على حساب المعارضة لتحفيز الحلّ السياسي وإنجاح التفاهمات الروسية الأميركية ووضع تفاهمات فيينا موضع التطبيق عبر تسريع مسار جنيف وتسريع تنفيذ المراحل التي أشار إليها قرار مجلس الأمن الدولي الذي يحمل الرقم 2254.

أمام هذه التحليلات والتوقعات، التي بعضها كان مغرضاً ويهدف إلى زرع البلبلة وإرباك الحملة السورية- الروسية لاستكمال معركة مكافحة الإرهاب، عمدت الحكومتان السورية والروسية إلى الإعلان عن مواقف وضعت النقاط على الحروف، وقطعت الطريق على التحليلات والتأويلات التي ذهبت بعيداً في تحديد مرامي وأهداف الخطوة الروسية.

رئيس الديوان الرئاسي الروسي يوري إيفانوف أعلن بعبارة صريحة وواضحة رداً على التشكيك باستمرار الالتزام الروسي في سورية، فقال حرفياً: «نحن لا نغادر سورية، بل نسحب فائض القوات والمعدات». ماذا قصد بذلك؟ معروف أنّ الوجود الروسي في سورية لا يعكس أهدافاً إمبريالية واستعمارية، أي لا تحتاج موسكو في سورية إلى وجود عسكري كبير لفرض إرادتها على الدولة والشعب السوريين على غرار ما تفعل الولايات وما فعلت في العراق وأفغانستان، الوجود العسكري الروسي في سورية هو من أجل مهمّة محدّدة، وهذا الوجود قبل صدور قرار الرئيس بوتين بسحب القوة الرئيسية، تشكّل على مرحلتين، المرحلة الأولى في 30 أيلول 2015، وهو الجزء المكرس لدعم الجيش السوري لمكافحة الإرهاب. والمرحلة الثانية بدأت بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية وتلويح الغرب بمواجهة مع روسيا على خلفية دعم تركيا عضو حلف «ناتو»، أو الحديث عن تدخل عسكري بري واسع في سورية وهو الجزء الذي يشمل القوات الاستراتيجية، وتحديداً القاذفات المتطورة.

اليوم بعد توصل الولايات المتحدة وروسيا إلى تفاهم لحلّ الأزمة في سورية، وتفاهم على وقف العمليات العسكرية وصمود وقف العمليات وعدم حصره بأجل زمني وتراجع الحديث عن عملية برية بقيادة الولايات المتحدة، لم تعد الظروف التي دفعت روسيا إلى إرسال قواتها الاستراتيجية قائمة، وطالما أنّ روسيا ليس لديها مطامع وأهداف استعمارية في سورية، فبديهي أن تسحب الفائض من قواتها بعد انخفاض الطلعات الجوية نحو الثلثين بعد دخول وقف العمليات حيز التنفيذ، وليس من الحكمة في هذه الحالة أن يستمر تكديس هذه القوات في قاعدة حميميم وتحمُّل أعبائها المادية لآجال غير معروفة، لذلك تمّ سحب جزء من القوات الذي جاء في المرحلة الثانية، وحتى ليس كله، لأنّ صواريخ أس 400 لا تزال موجودة في مواقعها.

نائب وزير الدفاع الروسي، أكد، بدوره، أنّ الطائرات الروسية سوف تواصل توجيه الضربات للإرهابيين في سورية، ولم يكن ذلك مجرد كلام، بل شنّت الطائرات الروسية أكثر من عشرين غارة في اليوم الذي بدأت فيه بسحب القوات الرئيسية ضدّ مواقع «داعش».

هكذا وضعت روسيا النقاط على الحروف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى