قالت له
قالت له: أحببت لو أكون قربك وأرى أناملك وأنت تخطّ لي شعراً.
فقال لها: عندما يكتب الشعراء، فيكون عن خواطر ليست أمامهم. وأكتب عنك كلّما كنتِ أبعد عنّي.
فقالت: لكنني أرغب قربك ولا أطيق رؤيتك تكتب لغيري، ولا أظنني غبية لأتوهمك تكتب عنّي ما ليس لي.
فقال لها: هذا اختصار للحياة لا للشعر. فكثيراً ما نحبّ في الشخص الذي أمامنا خصالاً عشناها في الخيال مع سواه، فيذكّرنا بأبٍ أو أمِّ أو أستاذ أو رفيق أو شخصية خيالية من رواية، أو بطل من التاريخ. ولذلك نطلق على الخصال من الجمال والمروءة في من نحبّ ألقاب أشخاص سمعنا عنهم.
فقالت له: هل تراني جمعاً تشكيلياً لأشخاص، أم شخصاً طبيعياً واحداً؟
فقال: لو كنتِ هذا الجمع لصرتِ في منزلة الآلهة. فنفرتيتي لا تستسطيع أن تكون أيضاً سقراط وهوميروس وابن سينا والخوارزمي ودافنتشي وبيكاسو وموزار وبتهوفن وحاتم الطائي.
فقالت: لكنّ نفرتيتي شكل جامد لجمال بائد.
فقال لها: ومعك تصير طيفاً حيّاً بِلحمٍ ودمٍ يطفح نوراً وحياة.
فقالت: وهل يمكن الجمع بين اثنتين على الأقل؟
فقال لها: إن أمكن أن تكون نفرتيتي بين آلهة الإغريق، إلهة المطر لا إلهة الحرب، صارت أشدّ بهاء وجمالاً ونفوذاً على القلوب. ومخاطرة الجمع قد تجعلها إلهة الحرب فتسقط عنها آيات الجمال.
فقالت: لِم لا أكون زنوبيا إذن؟ أجمع الحبّ والحرب!
فقال لها: وتقعين أسيرة أعدائك أو تموتين من دون شرف بلادك، فتصيرين جان دارك زمان من الأزمنة، ولكن ليس حبيبتي وملهمة شعري، بل بطلة رواية أتباهى بإنجازاتها، رجلاً كانت أم امرأة. لأن ملهمة الشعر جمال لا يقاوم، لكنّها لا تملك سلاحاً سواه. وأنت لا ترتضين لنفسك هذا، فدعي لي أن أكتب عنك شعراً عن بُعد كي لا أرى إلا ما يلهم أبيات القصيدة. وكوني قربي أنت القارئة لا الملهمة لقراءة ما أكتب عن سواك.
فقالت: مع قليل من الغيرة.
فقال: هذا من ملح طعام الشعر لا يستقيم من دونه وزن، ولا تقوم موسيقى ولا تقام قافية.
وألقت بعينيها على أوراقه فوجدته قد كتب: جاءت معذّبتي!