الفيدرالية الكردية ضغط على دمشق أم على أنقرة
سعد الله الخليل
حتى الآن يلعب أكراد سورية اللعبة بشكل صحيح، فبعد خمس سنوات من الحرب في سورية نجحوا في الحفاظ على كيانهم في وجه التحديات الكثيرة. حملوا السلاح وتحالفوا مع كلّ الأطراف لحماية أنفسهم من عدو مزدوج الأوجه، بمضمون واحد. فبين مطرقة تنظيم «داعش» وسندان تركيا التي لم تألُ جهداً بدعم التنظيم لضرب عدوها التاريخي.
نجح أكراد سورية بالجمع بين الثلج والنار والاستفادة من كلّ التناقضات في المشهد السوري وأداروا معركتهم بحرفية، فدعمهم الأميركيون بلا حدود بالتوافق مع موسكو التي لم تقصِّر في مدّ يد العون لهم لا بالسلاح ولا بالغارات الجوية، كذلك فعلت الحكومة السورية منذ اليوم الأول لتشكيل وحدات الحماية الكردية حيث سهلت مهمّتهم ودعمتها ولم تسمح بأي تجاوزات أو توترات تخرب جوهر العلاقة بينهم وبين الدولة السورية وقضت على الحالات والمظاهر الخلافية في بعض المناطق قبل تمدّدها، فسرعان ما كانت تطوق الخلافات في مكانها وتقتلها في مهدها، حرصاً على العلاقة العميقة التي تصبّ في مصلحة الوطن السوري الواحد.
ولمن يجادل حول تلك العلاقة: هل له أن يقدم تفسيراً لمصدر الأسلحة المتوسطة والخفيفة التي تملكها تلك الوحدات؟ وهل يمكن لمنظومة التهريب من تركيا أن تبني قوة تواجه تنظيم «داعش»؟ وهل ستسمح تركيا بوصول تلك الأسلحة إلى الأكراد؟ كلّ ذلك قبل الغارات الأميركية الداعمة لهم في معارك عين العرب والتي تقرّ واشنطن بأنّ جزءاً كبيراً من الأسلحة التي رُميت من الطائرات لدعم الأكراد ذهبت إلى تنظيم «داعش» من دون أن تقدم تفسيرات عن حسن النوايا أو سوئها بالتسليح غير المباشر للتنظيم. أما المساعدات الروسية فقد وصلت متأخرة، وبالتالي فإنّ المصدر المنطقي لتسليح الوحدات الحكومة السورية، خاصة في فترة سيطرة الجيش على الحدود العراقية. وبعيداً عن التسليح كيف يمكن لحواجز وحدات الحماية أن تنصب على بعد أمتار من حواجز الجيش السوري لسنوات في وجه عدو مشترك يتمثل بتنظيم «داعش» من دون تكاملية في الدور واتفاق في الجوهر؟
سياسياً، دافعت دمشق ولا تزال عن دور الأكراد في المشاركة السياسية، رغم الخلافات العميقة في السياسة، وطالبت، ولا تزال، بمشاركة الأكراد في حين لم تجرؤ قوى معارضة حليفة للأكراد على الطلب من الرياض الضغط على الأتراك لتسهيل مشاركة حلفائهم بل ولم تنتقد تغيبهم عن الساحة.
مع إقرار الكردي لوثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي لروج آفا ـ شمال سورية، يفتتح الأكراد مرحلة جديدة من التعاطي مع قضيتهم وسوريتهم ويفتح الباب واسعاًً أمام إظهار التزاماتهم بوحدة سورية وفق أدبياتهم والقرارات والوثائق الدولية التي وافقوا عليها.
ربما قرأ الأكراد في الانسحاب الروسي من الأرض السورية فراغاً عسكرياً وسياسياً رغبوا في ملئه، وربما رغبوا في الانتقام من القوى التي همّشتهم في مباحثات جنيف، أو ربما وجدوا التوقيت مناسباً لدمج كيانات الإدارة الذاتية في جسم سياسي فيدرالي موحّد.
مهما كانت الدوافع، فإنّ الخطوة لا يمكن أن تخرج في الشكل والمفهوم عن الخطوة المتقدمة في مشروع التقسيم ليبقى السؤال الأهم: هل ستتطور الأمور للوصول إلى التقسيم أو إنشاء إقليم تحت سيطرة كردية في سورية، كون المنطقة التي يمتد عليها ليست كردية خالصة، أم أنّ الأكراد سيلتزمون بما دأبوا على تأكيده بأنهم ليسوا في وارد الانفصال عن الوطن السوري؟
بعيداً عن معادلات النسب ومشاريع التهجير القسرية تارة، والعفوية طوراً لباقي المكونات والتي ساهم فيها الأكراد، بصورة أو بأخرى عبر قوانين الإدارة الذاتية، فإنّ السيطرة الكردية على تلك المناطق ليست خالصة، وبالتالي لا إمكانية إيديولوجية وفكرية لتطوير الحالة والمشروع، وإذا فرضت ظروف الحرب واقعاً آنياً قد يحمي مشروع الفيدرالية الكردية، فإنّ الوقائع ستتغير فور تغير تلك الظروف وطيّ صفحة الحرب على سورية في ظلّ الرفض الإقليمي والدولي.
وبما أنّ مشاريع التقسيم يُروَّج لها على قدم وساق، هل ستقبل تركيا والسعودية التقسيم إقليمياً لقناعتها بأنّ نيران التقسيم عابرة للحدود، تماماً كنيران الإرهاب الذي زرعتاه في المنطقة وارتدّ عليهما وبالاً؟ أما في المواقف الدولية، فإنّ القوتين الكبريين في العالم روسيا وأميركا ترفضان أي مشروع انفصالي في الجغرافيا السورية ولعلّ النقطة الأهم التي يدركها الأكراد قبل غيرهم أنّ الارتباط الطبيعي والعضوي بالجغرافيا والتاريخ والسياسة السورية يحمي الأكراد من المحرقة التركية في حقهم ويوم قطع ذلك الارتباط سيكون لحظة إعلان النفير الأردوغاني لمجزرة القرن الحادي والعشرين التي بدأ التحضير لها في البرلمان التركي بالدعوة إلى رفع الحصانة عن النواب الأكراد، بالتزامن مع الغارات والضربات الجوية لمعاقلهم.
مجمل التطورات تقود إلى تساؤل جوهري عن الجهة المُستهدفة من طرح مشروع الفيدرالية الكردية. هل هي دمشق أم أنقرة؟