من يكمّم فم الله؟

من منكم يملك سلطة الله على أرضه، من منكم بيده مفاتيح الجنة والنار، من منكم أفتى بموت نبيّ اليمام… بشير الحكي؟

صمت…

والصمت انهزام الجلل أمام الزمان، والزمن مارق متسوّل ليس ألّا. يقتنص صور العابرين ظلّ الحياة.

اليوم، وبين فجيعتين، أستجدي الحبر، وصوت الفتى يؤرّق منابت الصوت في رأسي:

«انكسر ضهري… انكسر ضهري… مال حملي يا طلال».

ذات مستشفى، دخل بشير العاني إلى مكتبي، مهزوماً، مكسوراً، عارياً من كلّ شيء ألا ثيابه. عانقني ملء صدره مثل متجبّر دار الزمان دورته عليه.

كان هذا قبل سنة، حين دخلت أمّ إياس في الغيبوبة التامة، بسبب السرطان المقيت الذي نخر عظامها.

لست الآن بصدد رثائه، فهو لم ولن يغادرني ما حييت. لكنّني هنا الآن لأجل سؤال العارفين: هل يسبّح المرتدّ بِاسم الله؟

في كلّ مرة كنت أدخل غرفة العناية، كنت أجد بشير العاني يمسك كفّ زوجته المسجّاة على سرير الموت، يسبّح الله بسلاميات كفّها. كان يتمتم كلاماً في سرّه، لم تكن لتسمعه ونسمعه نحن، ولكن ابتسامة ناعسة كانت لا تفارق فمها، وسحنة احمرار ترتسم على جبينها كأنها تقول: أنا أسمعك يا بشير.

بشير العاني، المرتدّ الذي لا يعرف درب الله، بقي ثلاثة أشهر يرفض أن يشرف أحد على تنظيف زوجته. كان زوجها، أخاها، ابنها وكلّ شيء.

نم قرير العين يا صاحبي. الله وحده يعرف أخلّته، يصطفيهم من بين البشر.

قتلوك لأنّك فم الله. نعم فم الله… نم يا صاحبي وعائلتك.

فليسدّوا فم الله إن كانوا قادرين!

طلال مرتضى

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى