صراط الضحك

من غيرك قادر أن يضحك ويمدّ لسانه لهذه الحياة، غير عابئ بغضبتها وصخبها؟ من غيرك قادر أن يرتّل الفرات في ليلة صلاة التراويح؟

فليلة العيد لا تعنيك. العيد للذين تكتمل طقوس عبادتهم في شهر أو في حجّ، فما حاجتك إليها ودمك دائم الطوفان حول الفرات، وخشوع ألمك لونه أزرق صاف، سرعان ما يتيقن المؤمنون من هلال الشهر في ألمك!

موتك كان صاخباً كسقوط قلب، وتبعثر نبضاته حتى تخال كلّ فتاة أن تلك النبضة لها، فتقول أخرى: بل تلك لي، ويقول أصدقاؤك: قلبه كلّه لنا.

كنتَ دائم السؤال عن بيت واسع يتّسع لألمك ولأطفالك، كأنّ أحدهم يرافقك أينما حللت. وكلّما قشّرت ضحكتك توهّج وجعك كقمر في ماء الفرات.

كنتَ تسأل عن بيت في دمشق، لكنّك حين جاء وقت الاختيار، اخترت دير الزور.

اخترت البقاء في فم السيف وهو أهون الدمين، لكن السيف كان كاذباً فلم يعد أصدق إنباءً من الكتب. وحينما طعن، طعن قلبك وقلب إياس ابنك، لأنه سيفٌ كاذب ودعيّ، ومَن غير الكاذب يسعى إلى التخلّص من الشهود؟

اخترتَ أوسع الأمكنة وأقصاها وأقساها وأحنّها!

اخترتَ أكثرها إيغالاَ في الوجع، اخترتَ القلب كي يزداد نصل الألم، ومشيت على صراط ضحكتك، وكلّ من مشى عليها سقط في جبّ الوجع!

فكلّ ضحكة وكلّ تهكّم نصل حادّ يحزّ القلوب والأرواح. فكيف لا تريد منهم أن يتكاثروا عليك وأنت الأعزل إلّا من سيف ضحكتك الصارم؟ كيف لا يقتلوك بتهمة الضحك وهم من اعتادوا زرع الحزن في القلوب؟

أرادوا منك أن ترتدّ عن ضحكتك، فارتددت عن الحزن وأرديته. فاتهموك بالردّة. وهل من تهمة تثير الضحك والسخرية أكثر؟!

كنتَ المؤمن بالبلاد والقمر، وأوغلت في إيمانك حدّ الاستشهاد في سبيل ما تؤمن به. فما كان منهم إلا اتهامك بالردّة. فمن يسأل عمّا ارتدّ بشير؟

لم تجد بيتاً واسعاً يكفي ألم زوجتك في سرطان جسدها، فأهلت التراب فوقه حين فارقتك، واحتفظت بحزنك تغلفه ضحكتك. ومن غيرك يدفن الحزن بابتسامته؟ من غيرك اختار المشي على حدّ السيف ولم يتألم؟ من غيرك مشى فوق النصل وهو مؤمن إن سقط فالفرات سيتلقفه ويحنو عليه؟

من غيرك قال لنا إن كنتم تجرؤون فامشوا على صراط ضحكتي؟ مشينا وسقطنا في الحزن، وأنت وحدك تأبطت ضحكتك ومضيت!

فؤاد ديب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى