الحربُ القابلة.. عذراً يا أمهّات بلادي

هاني الحلبي

الحرب القابلة! نقيضان ينجدلان حول حبل سريّ واحد لولادة دموية.

بالحرب تولد الدول أو تزول. بالحرب تعتز الأوطان أو تُدمَّر. بالحرب تثبت الشعوب أو تباد. الحرب قشعريرة الضحايا وكابوس المستهدَفين الذين من لحظاتها الأولى يتحوّلون أيقونات تراب ينجبل بأشلائهم ويتضمّخ بدمائهم ليكون ثرى الفداء.

الحرب مهما قست، كلمة مقدسة بهية، متى كانت دفاعاً عن حق أمة تتحلّق حولها ذئاب الأمم الطامعة باسم يهوه التوراتي الحاقد الدموي وحلفائه عرباً وعجماً.

الحرب حربُنا. ولو لم نخترها ميعاداً وساحة وطريقة واستراتيجية. وكل حرب لم نخترها لا تعطي سوى الدمار والفتنة والتراجع. وما دِمنا لا نختار حروبنا تبقى أجسامنا ثقيلة العضلات، كثيرة الشحوم، ومفاصلنا صدئة كأفكارنا وهممنا بليدة وعيوننا عمياء وبصائرنا بلا ضوء.

هكذا ما زلنا لم نحارب حقاً. وما زالت سكاكين الأجنبي تفتك بأرضنا وبأرواحنا تشلّعها كانتونات وفتناً نارية متناحرة، كرداً، عرباً، أرمن، سرياناً، تركماناً.. لم يُسمح لتفاعلهم المديد قروناً أن ينتج قومية فاعلة واحدة موحدة سياسة وعسكراً ووطناً.

لم نحارب حروبنا. فحروبهم علينا لم تتوقف من قرون مديدة لتدمير مدنيتنا السورية الآرامية الآشورية الكنعانية العربية بتأبيد انحطاطنا سلاجقة وتركاً ومغولاً ومماليك وفرنجة وبقاياهم تحكم دولنا حبوساً وقواويش!

حروبهم علينا مستمرة، ولم تتوقف يوماً. تغيّرت فقط أساليبها وأنماطها وطرائقها وأشكالها. حيناً تكون نارية بالصواريخ والمدافع، وحيناً آخر اقتصادية بالأسعار والعملات والقروض الدولية، وحيناً ثالثاً افتراضية تتجنّد شركات محمية لنشر انترنت غير شرعي لتجد أن هاتفك أو حاسبوك مخترق ومواعيدك مكشوفة وغزلك يسجَّل عليك وتبقى «كما خلقتني يا رب» بلا حصن ولا أمان ومنعة أمام أعدائك المتجسسين على أدق أسرار حياتك وبكلفة باهظة تدفعها في زمن الإفقار دم قلبك ونبض روحك على حساب خبزك ومائك وحليب طفلك، وحيناً رابعاً حرب معلومات فترى أصدقاءك الباحثين يستسهلون تسويق مصطلحات تُرمى لهم مفاتيح معلومية لغسل أدمغتهم وأرواحهم ووجدانهم القومي، قبلوا سابقاً هم، وقبلَها آباؤهم قبلهم، أن سورية جمهورية عربية سورية صغيرة بدلاً من كونها وطناً تفوق مساحته مليوناً ونصف المليون من الكيلومترات المربعة، إذ يتمسّك الشريف حسين الهاشمي في العام 1915 خلال رسائله مع مكماهون البريطاني بسورية وعروبة مرسين وطرسوس وأضنة شمال قبرص، بينما اليوم نحن مضطرون للبرهنة على سورية دمشق والقامشلي ودير الزور وانطاكية والحسكة!!

وفي الوقت الذي يتم استهداف الدولة السياسية، وليس الوطنية تصحيحاً، لأن النبض القومي ما زال في استراتيجية بعضها ولم يخفّ ولم يمت، رغم كل ما ذيقت الأمة من عذابات وما حيكت لها من خطط وما دُبّرت من مؤامرات حتى بلغ تجرؤ الأعداء، عرباً وأعاجم، يهوداً ومسلمين ومسيحيين، أنه ليس من حقناً أن يكون زيدٌ رئيساً ولو أجمعنا عليه لتبوء الرئاسة، فقط لأن زيداً ليس حريرياً آخر يتحمّل عبء تنفيذ المؤامرات بلا عذاب ضمير وطني ولا وخز وجدان قومي ولا تقريع رادع شرعي وانتماء. ولا شك في أن أيّ حريري يبقى أنبلَ من سلفه الفدائي الذي يتطوّع لشطب كلمة المقاومة في أي بيان وزاري أو عربي على مدى العالم كله. السياسي المرابي على أقدس أقداس الوطن وقضيته، الاقتصادي الذي يجرؤ على التفكير في نظام تعاقد وظيفي سنوي حتى للقوات المسلحة، تعاقد بالساعة أو باليوم، المحاسب الذي لا يرى الحياة سوى مراكمة أرصدة فارغة من أي قيم سامية هي كل الإنسان، الرئيس الذي تقصف إسرائيل بلده بسلاح أميركي بينما يطبع على وجنتي كونداليساه قبلته الحميمة محتضنها بلا مهابة الضحية ولا هيبة الندّ النظير! وزراء ونواب وسياسيون لبنانيون يحرصون على أمن عدوّهم بعين لا تنام وبوفاء غبي يُحسد عليه.

الحرب القابلة تدق نفائرها وتلتمع نذرُها. تصريحات جنرالات العدو كثيرة هدّدت بها منها تصريح رئيس أركان سلاح الجو «الإسرائيلي» الجنرال كلايمن مشدداً على أن «سلاح الجو «الإسرائيلي» قادر على الذهاب إلى الحرب خلال 12 ساعة، وجاهز لتدمير آلاف الأهداف في اليوم»، وكذلك تصريح وزير حرب دولة العدو يعلون أمام المجلس الأمني المصغر من أن «سلاح الجو يمتلك القدرة على تدمير كامل مخزون الصواريخ الـ 100000 التي بحوزة حزب الله».

..ومقاومتنا تستعدّ، تشرع صواريخها لنخوض حربنا. لنقصف نقاط ضعفهم ومقاتلهم بلا رحمة. حاويات الأمونيا ومفاعل ديمونا ومخازن سلاحهم ومطاراتهم ومصافي بترولهم/بترولنا المنهوب وحقول غازهم غازنا المغتصب ونفطهم نفطنا المسلوب . مصلحتنا حقيقية جداً في الحرب لتعود «إسرائيل» إلى ما قبل اصطناعها العام 1948.

يبشرون بالحرب في عيدك يا أمي، وأنت الوطن الخصب، والأرض النجيبة ويبدر الغلال. لكن ليبقَ البيدر والحقل والرحم وسيرورة الولادة وفضاء المناغاة لا بدّ من الحرب. فعذراً يا أمهات بلادي..

ناشر موقع حرمون haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى