وجود حزب الله في سورية والحرب الإعلامية
علي جانبين
امتلأت وسائل الإعلام العربية والعالمية المرموقة بالتقارير والمقالات عن فرضية سحب حزب الله مقاتليه من سورية بعد الانسحاب الروسي، والقصد واضح، وهو تأكيد أن الانسحاب الروسي ومثله يصير انسحاب حزب الله علامتين متطابقتين على وجود تفاهم روسي أميركي إيراني ليست سورية ورئيسها جزءاً منه والانسحابات هي ترجمة لهذا التفاهم والضغط على سورية لقبول مندرجاته.
لنكوّن فكرة عن كيفية خوض الحرب الإعلامية نبدأ بصحيفة عريقة مثل الوفد المصرية وكيف رفعت خبراً نقله موقع غير معروف إعلامياً في لبنان ومعلوم لمن يعرفه، بأنه متخصص بالعداء لحزب الله، فنشرت الوفد «في معلومات وردت لموقع جنوبية أن المئات من عناصر حزب الله الذين يقاتلون في سورية بدأوا منذ عصر أمس بالعودة إلى منازلهم بالضاحية الجنوبية بشكل مفاجئ وكثيف دون سابق إنذار». وأضافت «وأرجع خبراء الشأن السياسي، الانسحاب المفاجئ لحزب الله، إلى ثلاثة أسباب وهي: «اتفاق الأطراف المتنازعة في الأزمة السورية على الحل عبر التفاوض، ورسالة إلى الحكومة السورية بعدم التشدد في مطالبها خلال مباحثات جنيف 3، فضلاً عن وجود اتفاق روسي أميركي لإعادة توزيع المطامع والمصالح بينهم في المنطقة».
وأوضح مختار غباشي، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية للوفد أيضاً، أن انسحاب حزب الله دليل على وجود اتفاق من الأطراف الدولية المشاركة في الأزمة السورية، على الوصول إلى حل سياسي، مشيرًا إلى أن الانسحاب مرتبط برغبة حزب الله في عدم مساندة بشار الأسد بشكل كلي، حتى يكون هناك تساهل على طاولة المفاوضات. – الوفد المصرية 16-3-2016
أما الخبر الأصلي فقد تبعه تأكيد من المصدر ذاته يقول: «إن المعلومات صحيحة عن بدء انسحاب حزب الله من سورية، لكن الأسباب هنا تعود إلى الضغط الشعبي الكبير في الداخل اللبناني على عناصر حزب الله والحصار الذي فرضه الخليج على لبنان، بسبب تصرفات حزب الله، كما أن الدعم الإيراني تجمّد بالنسبة للحزب كما تفيد مصادر مقربة منه وهو ما جعل الحزب في حالة صعبة للغاية». – موقع «جنوبية» الإلكتروني مصدر الخبر
وبعد يوم طويل من التفاعلات للنشر اضطر الجميع للتعامل مع نفي حزب الله الذي سارعت للحصول عليه وسائل الإعلام الحليفة، حيث نشرت روسيا اليوم نقلاً عن وكالة نوفوستي الروسية، «نفى حزب الله اللبناني، الأربعاء 16 مارس/آذار، الأنباء المتداولة حول انسحاب قواته من سورية، مؤكداً أنه يواصل محاربة الإرهابيين في البلاد».
وقال المكتب الصحافي للحزب، في حديث لوكالة «نوفوستي» الروسية: «إن أبواق المجموعات المسلحة نشرت، إثر إعلان موسكو سحب القوات الجوية الفضائية الروسية من سورية ، أنباء باطلة حول انسحاب وحدات مقاتلي حزب الله».
وأشار المكتب إلى أن ورود هذه الأنباء تزامن مع نشر وسائل إعلام معلومات حول بدء مسلحي تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي هجوماً واسعاً في مختلف المحافظات السورية.
وأضاف الحزب: «نلفت اهتمام وسائل الإعلام إلى أنه يجب عدم الانصياع للكذب والتسريبات المتعلقة بمثل هذه الأنباء».
وشدّد المكتب الصحافي لحزب الله على أن «المقاومة ستواصل محاربة الإرهاب يوماً تلو الآخر من أجل القضاء عليه ومن أجل الكشف عن الدول المانحة للإرهابيين». – روسيا اليوم 16-3-2016 .
بعد النفي وتناقله وانتشاره صار الذين تورّطوا بتسويق الخبر مضطرين لحفظ سمعتهم، فتبادر صحيفة السياسة الكويتية التي نقلت خبر الانسحاب وروّجت له قبل يومين لإعادة ما نشر إعلامياً عن ردّ الحزب، حرصاً على بعض المصداقية، فقالت «خلافاً لما يتم تداوله عن انسحاب مجموعات من مقاتلي «حزب الله» من سورية إلى لبنان، فإن مصادر أكدت لـ«السياسة»، من أوساط قريبة من «حزب الله»، إنه وعلى الرغم من القرار الروسي بالانسحاب العسكري من سورية، فإنه من السابق لأوانه البحث في أي انسحاب عسكري للحزب في الوقت الحاضر، طالما أنه ما زالت هناك حاجة للوجود العسكري، باعتبار أن الحرب قائمة ولو أن هناك هدنة ومفاوضات سياسية، لكن عملياً لا تزال الكلمة للميدان، ما يؤكد بقاء الوضع العسكري على ما هو عليه، مع ما يعنيه من استمرار وجود الحزب هناك، إلى جانب الجيش السوري النظامي لاستكمال المهمة المطلوبة منه.
وقالت المصادر المقرّبة من الحزب «إن مثل هذه الإشاعات تندرج في إطار الحرب النفسية الفاشلة التي تطلقها الأدوات الاستخبارية في محاولة منها للضغط على بيئة الحزب للانسحاب، بعدما انسحبت القوات الروسية من سورية».
هذا نموذج بسيط من الحرب الإعلامية.