تصنيف المقاومة إرهابية نكسة جديدة بقرار عربي
جمال الكندي
الكل يذكر نكسة الجيوش العربية في حزيران عام 1967م والتي كانت تسمّى حرب الأيام الستة بين إسرائيل وثلاث دول عربية، هي مصر وسوريا والأردن والتي انتهت بهزيمة كبرى لهذه الجيوش العربية أمام العدو الصهيوني، ومن نتائجها تهجير معظم سكان مدن قناة السويس ومحافظة القنيطرة السورية وعشرات الآلاف من العرب من قراهم، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
هي ذكرى مؤلمة في التاريخ العربي والإسلامي، لكون هذه الحرب رسمت خارطة سياسية جديدة في الوطن العربي تكرّست من خلالها سلطة الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، فتجعلها أمراً واقعاً نتجرّعه علقماً مراً كل يوم، حينما نرى خارطة الوطن العربي وفيها هذا الكيان الصهيوني يشق أراضي عربية بقوة السلاح.
إن تبعات حرب 67 لا تزال قائمة وماثلة أمامنا نحن العرب والمسلمين، حيث إن هذا الكيان السرطاني يحتل أراضي عربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وغطرسته وعربدته العسكرية نشاهدها كل يوم بل في كل ساعة في فلسطين الجريحة ولا يملك الشعب الفلسطيني غير الحجارة للدفاع عن حريته وكرامته.
تاريخ 1967 لا نريد أن نتذكره، ولكننا مرغمون أن نسرد هذا التاريخ بمآسيه ونقول بأن العالم في ذلك الوقت تكالب على الأمة العربية من اجل إسرائيل، فكان قرار الحملة الإسرائيلية على الدول العربية الثلاث قراراً لم يخرج عن التوافق مع الغرب في ذلك الوقت وذلك من أجل أن تتوسّع ربيبة أميركا في المنطقة وتقوى شوكتها فيها، فكان القرار خارج القدرة العربية للتصدي. لذلك كانت نكسة 67 نكسةً عسكرية بمعنى الكلمة، فتدمير جيوش ثلاث دول عربية، واحتلال بعض أجزائها البداية الحقيقية للصراع العربي الإسرائيلي والذي حملت لواءه دول وأحزاب معروفة تصارع هذا الكيان منذ سنين واستطاعت في فترات زمنية معينة أن تكسر أنف الإسرائيلي في مواقع عسكرية كثيرة.
نحن اليوم وللأسف الشديد أمام نكسة جديدة استطاع من خلالها هذا العدو أن يتغلغل إلى العقل السياسي العربي وأن يخترقه ويسبب انقساماً بين العرب، ويضرب إجماعهم العربي الذي ولو كان ضعيفاً في بعض فتراته التاريخية في تأييد من يناضل ويحارب إسرائيل بسبب احتلالها الأراضي العربية، وتنكيلها اليومي بنساء وأطفال وشيوخ فلسطين، فلا يهمّ إن كانوا إسلاميين من هذا اللون أو ذاك أو قوميين، المهم أن بنادقهم موجهة لصدور الصهاينة فقط. العدو الصهيوني استطاع اليوم أن يكسر هذا الإجماع، والذي لم يستطع فعله بقوة السلاح، فعلته بذور المذهبية العفنة التي وللأسف تلاقي تربة صالحة لزراعة الصراعات المذهبية والتي تريح إسرائيل لأنها تبعد خطر الوحدة الإسلامية والوطنية عن كيانها الغاصب الذي لا يقدر أن يعيش إلا وسط الخلافات العربية والإسلامية.
لا أبالغ عندما أقول إن النكسة العربية الجديدة والتي نراها حقيقة أمامنا بقرار عربي مخزٍ يخرج من الجامعة العربية بوصفها حزباً مقاوماً، مرّغ أنف إسرائيل في الوحل عام 2000م و2006م بصفة أنه منظمة إرهابية. هذه النكسة أساويها بنكسة 67، فالأولى عسكرية وكانت تبعاتها احتلال أراضي عربية وتغير الخارطة السياسية للوطن العربي، والثانية أوجدت شرخاً في العقل السياسي العربي وأكسبت إسرائيل المسوغ العربي لضرب حزب الله لأنه ببساطة حسب إجماع مَن في الجامعة العربية هو إرهابي ويتساوى مع داعش ومَن يدور في فلكه.
هذا التصنيف الجديد من الجامعة العربية لحزب الله، والذي جاء بضغط خليجي سوف يعمّق الشرخ الأيديولوجي بين تيارين في المنطقة العربية، تيار المقاومة والممانعة، وتيار المهادنة كما يُسمّى، فبعد إبعاد سوريا من المشهد العربي بقرار من الجامعة العربية وتدمير ليبيا بطلب من الجامعة العربية كذلك ها نحن اليوم نرى قراراً جديداً من جامعتنا العريقة والتي من المفروض أن تكون حاضنة للإجماع العربي والصف العربي الموحّد ضد الكيان الصهيوني فنراها تلتقي مع إسرائيل في تصنيفها حزب الله بأنه حزب إرهابي.
هذا يعني أن زمن المقاومة تحت سقف الإجماع العربي قد انتهى فركن من أركان المقاومة المسلحة ضد هذا الكيان الغاصب قد صدر القرار فيه بأنه إرهابي، وحتى إذا حارب إسرائيل فسوف يصنف بأنه منظمة إرهابية تحارب إسرائيل الحمل الوديع. وهذا الذي كانت إسرائيل تريده وتتمناه، واستغلت ارتباط حزب الله إيديولوجياً بإيران ولكون الأخيرة بينها وبين بعض دول الخليجية خلافات مذهبية وسياسية، فتلاقت مصالح بعض هذه الدول مع إسرائيل في العداء لحزب الله، فكانت صناعة هذا القرار في الدائرة الخليجية ثم انتقل بعد ذلك إلى حضن الجامعة العربية والتي هي ومنذ بداية ما يُسمى الربيع العربية مرهونة القرار لدول معينة كانت بقراراتها سبباً من أسباب دمار ليبيا وسوريا.
إن إدراج حزب الله من ضمن المنظمات الإرهابية سوف يعقّد من المشهد السياسي الداخلي اللبناني والذي هو أصلاً متأزم في مسائل كثيرة، ومنها مسألة استمرار الفراغ الرئاسي وعدم التوافق على رئيس تتفق عليه الكتل السياسية في لبنان، ومن ضمنها حزب الله، ومن صنع هذا القرار يدرك ذلك ويريد زيادة الضغط السياسي على فرقاء السياسة في لبنان، محاولة منه لإبعاد حزب الله من مشهدهم السياسي.
الحرب الإعلامية على حزب الله، وإدراجه ضمن المنظمات الإرهابية، كان متوقعا،ً فهي ردة فعل بسبب مواقف الحزب من الحملة السعودية في اليمن ومخالفته لما يجري فيها، ووقوف الحزب مع الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد الجماعات المسلحة المدعومة من بعض دول الخليج.
ختاماً، أقول شتان بين مَن يقاتل من أجل تحرير الأرض من براثن الصهاينة، ويدعم المقاومة الفلسطينية، ومن يصوّب سلاحه ويفجّر نفسه تجاه أخوته في العقيدة والعروبة. لذلك سيظل حزب الله حزباً مقاوماً كسر العنجهية الإسرائيلية ورفع أسم الإسلام والعروبة في تاريخ حروبه مع الكيان الصهيوني، وهذا التاريخ لن يمحى بجرة قلم تخرج هذا الحزب من صفوف المقاومة إلى صفوف الإرهابيين لا لسبب إلا لكونه لم يجامل في ثوابته السياسية، والاستنكار العربي الكبير لوضع الحزب ضمن لوائح الإرهاب يطمئننا أن البوصلة الشعبية العربية مازالت بخير ولم يُصبها ما أصاب ساستها في الجامعة العربية.