جعجع يروّج لما يعجز عنه «إنجاح عهد عون ليس من مهامي»
روزانا رمّال
يذكّر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دائماً اللبنانيون بمبادرته التي أعلن فيها العماد ميشال عون مرشحاً لحزب القوات اللبنانية، ضمن مصالحة بين الفريقين أثمرت مرشح أكبر قوتين مسيحيتين في لبنان والشرق الأوسط والتي لم توصل عون إلى قصر بعبدا حتى الساعة. مبادرة جعجع الضرورية لجهة إرخاء نوع من الهدوء على جبهة الطرفين المتشنجة دائماً ولأبسط الأسباب والمتوقفة عند حساسيات كادت تهدد الشارع المسيحي في غير مرة أتت في وقت يحتاج المسيحيون في المنطقة إلى كل أسباب الوحدة أمام التطرف الذي يلاحق أقليات المنطقة ويهدد وجودهم فيها في وقت ارتفعت نسبة الهجرة بين صفوفهم منذ حرب العراق وصولاً إلى الأزمة في سوريا إلى أوجها، بعدما فتحت عواصم غربية كبرى أبوابها أمامهم مثل برلين وباريس وسهّلت هجرتهم بما يؤشر إلى انعدام فرص العودة، فقدم الزعيمان للمسيحيين نوعاً من الضمانة لحفظ الكرسي المسيحي الأوحد في الشرق بمبادرة من جعجع تزامنت مع جلسات تفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر سبقت إعلانها.
يبدو جعجع غير مهتمّ، رغم إيجابيات المبادرة إلى ضرورة إنجاحها ويحصر مواقفه بما من شأنه التصويب على حزب الله الذي لا يحرك ساكناً من أجل إيصال مرشحه العماد عون، حسب تعبيره ما يضع نياته في إطار تساؤلات باتت تضع المبادرة برمّتها في خانة استهداف حزب الله أو التصويب عليه في معرض ما يتعرّض له الحزب إقليمياً ومحلياً من تصنيفات ولوائح إرهابية عربية وخليجية.
يقول جعجع «إن فريق 8 آذار وبالتحديد حزب الله لا يريد انتخابات رئاسية، ولا أعرف حتى إن كان الحزب يريد الجنرال ميشال عون رئيساً، فبعد مرور شهرين على إعلاننا تبني ترشيح الجنرال لم يحرك أحدٌ إصبعه الصغير لانتخابه، بينما كان يرفع إصبعه الكبير ليقول لنا إنه يؤيد عون».
تسويق جعجع لإهمال حزب الله استغلال فرصة الترشيح الاستثنائية التي حظي بها عون يأتي ضمن ترويجه لفكرة أن الحزب قادر على الضغط على حلفائه المعترضين أو الذين لم يوضحوا موقفهم من المبادرة مثل حركة أمل وأنه إذا أراد إنجاحها لفعل. وبالتالي فإن الحزب قادر على تأمين النصاب المطلوب بسهولة وهذا ما لم يحصل لأسباب يعرفها جعجع جيداً.
يتجاهل جعجع في هذا الإطار دوره في تسويق مبادرة عون لدى كل القوى وعدم حصرها بمبادرة يقدمها لحزب الله لإنجاحها، فلا يحرك ساكناً هو الآخر في تحريك الركود الحاصل من جهة تسويقها في ما تبقى من قوى 14 آذار والقوى المسيحية التي يستطيع جعجع أن يضغط باتجاهها هذا إذا تمّ التسليم جدلاً أن الطريق مع الحريري مسدود، رغم أن المطلوب منه هو نفسه الذي يطالب في حزب الله في معرض المساعي.
تأكيد جعجع أن 14 آذار ليست بألف خير في الوقت الراهن، وأمنياته لو لم تحصل خلافات في وجهات النظر داخل تكتل كبير فيها، يؤكد أن المقصود في ذلك الخلاف الكبير بينه وبين الحريري الذي يعتبر خلافاً استراتيجياً بموضوع الرئاسة اللبنانية وترشيح الأخير للنائب سليمان فرنجية، ويقصد أيضاً التمايز الذي يقدمه الحريري للكتائب منذ فترة تقديم النائب سامي الجميل كحليف أساسي له عوضاً عن جعجع الذي قرر الاستقلال كمرجعة وفق أجندة لم تعجب الحريري الذي تفرّد بزعامة حركة 14 آذار منذ نشأتها.
يطلب جعجع من حزب الله ما لا يطلبه من حزبه المفترض أن يبذل جهوداً في إطار إقناع الحريري بالالتفاف حوله ودعم المبادرة التي تضم أكثرية المسيحيين في لبنان، ولا يعتبر أنه مسؤول في هذا الإطار فيطلب تبرير موقفه من سوء الوضع بينه وبين الحريري ولا يقرأ إمكانية أن يكون هناك مواقف مغايرة بين الحزب وحلفائه.
يقع على عاتق جعجع مسؤولية بذل الجهد الأكبر في موضوع إنجاح المبادرة، لكن يبدو أنه غير مستعد لذلك، بل عاجز عنها لاعتبارات إقليمية ومحلية لا تغيب عن القوى السياسية اللبنانية ليستغلّ في هذا الإطار ما أفردته المصالحة على صعيد الانتخابات البلدية أو النيابية في البلاد وما أعطته من صورة زعيم مسيحي كبير في لبنان بعد كل ما أحاط به اسمه في الحرب الأهلية أيضاً.
لا يبالي جعجع كثيراً لإنجاح عون في وصوله إلى الرئاسة ولا حتى في إنجاح عهده على حد سواء، ما يؤكد على ريبة ما في الترشيح ووظيفته. وفي هذا الإطار يطرح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته مسألة وصول عون للرئاسة وحسمه أنه مرشح حزب الله الأول رابطاً إياه بضرورة أن يصل للرئاسة بأكبر قدر ممكن من التوافق، خصوصاً بضمان أصوات أكبر فصيل سني في المجلس النيابي اللبناني وهو تيار المستقبل، ما يؤشر إلى حرص الحزب على عدم إيقاع البلاد في فتن غير مطلوبة حالياً وهو بهذا تجاهل مصلحته في إيصال عون للرئاسة عبر الحساب الديمقراطي الذي يصب في مصلحة الحزب مع ما يتيحه من فوز حسب الأكثرية البرلمانية.
يروّج جعجع لما من شأنه تغطية ركود مبادرته بالهجوم على حزب الله، مقدماً نفسه عراباً لمبادرة لا تعنيه كثيراً نتائجها وإذا كان وصول عون بأي ثمن للرئاسة تأكيداً على نجاحه الشخصي، فإن نجاح عهد عون ووصوله في ظروف تسمح له بالحكم بشكل سليم ليكون عهداً منتجاً لا يعني «العراب».