مأزق العراق.. في «جلباب الفاسدين»

نظام مارديني

لم تعُد جهود مكافحة آفة الفساد مجرد ظاهرة مجتمعية تكتسي خصوصية استثنائية في كل بلد، حسب ظروفه، بل هي ظاهرة استراتيجية، تلقي بظلالها على صعيد عالمي. ففي كل مكان من العالم، توجد حركات، في الغالب مرتبطة بالمجتمع المدني، تنشط في جهود التوعية والتعبئة ضد ممارسات الفساد كافة.

وفي العراق، يبدو أن مفردات مصطلح «الإصلاح» تسير على نحوٍ غير متكافئ ما بين محورَيْ الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي، إذ تأخذ الخطوات الإجرائية شكلاً متسارعاً على المحور الاقتصادي بالقياس لحالة السكون والتباطؤ على المحور السياسي، في وقت يتفق فيه الجميع على أن الكارثة التي تحل بالبلاد، كرّستها حالة الخلل البنيوي في النظام السياسي الذي حكم العراق بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003.

ومن المعروف أن أية معالجة تستثني أسباب الظاهرة وتأخذ من نتائج تداعيات تلك الظاهرة هدفاً لها، تكون معالجة ترقيعية ولا قيمة قانونية وحقوقية لها، فالفساد الذي وجد في البيئة السياسية العراقية، المنقسمة أفقياً وعمودياً، كان حاضنة مثالية لنمو وتكاثر المفسدين وتكاتفهم، وكان السبب الرئيس في وصول العراق إلى هذه المرحلة من التراجع في معدل إنتاجيته، فجاءت المعالجات الإصلاحية عبر ما يُسمى بالخصخصة للهيمنة على القطاع العام بدعوى الخلاص من الفساد وتفعيل دور هذه الشركات التي كانت ضحية سوء الإدارة جراء وضع الموظف غير المناسب في موقع المسؤولية..

إن الإصلاحات التي يتفق عليها الجميع يجب أن تنطلق من معالجات صميمية لأسباب الظاهرة المتمثلة بالاختلالات الهيكلية للعملية السياسية.. إصلاحات لا تقتصر على ما أفرزته تداعيات المرحلة السابقة واللاحقة التي تكرّسها حالة التصارع على السلطة وسرقة روح العراقيين، وهو الأمر الذي يؤكد أن النظام السياسي القائم والقوى التي تنادي بالإصلاح غير قادرة على إعادة تشكيل البنية السياسية التي رسختها سنوات الاحتلال، وهي لذلك مطالبة ابتداء أن تخرج من جلبابها الطائفي وتدعم فكرة إقامة الدولة المدنية العابرة للطوائف. أو الخضوع لرذيلتين لا ثالث لهما الأولى هي الخضوع لمشيئة ذلك الكائن الخرافي الذي أنتجته الوهابية في مجال بعث المؤمياءات، والثانية الارتماء في أحضان الأجهزة السرية للاستخبارات الدولية والإقليمية والتي لا تقل فتكاً عن الرذيلة الأولى.

لقد تعرّض العراقي لنهب وسلب ذاته الوجودية وعقله وروحه ونفسه، تعرّض لموجات دينية وطائفية ومذهبية وأيديولوجية، وها هو يسقط بين أحضان سبعين حورية، إنما في الأرض الملتهبة والمحاصرة!

لقد خسرت الذات العراقية، الوجودية والإنسانية التي يعيش فيها العقل والضمير والروح والنفس، خسرت لأنها ما نهضت وما ثارت من أجل تقدمها وتطورها، وهي بذلك تتقاطع مع الذات اللبنانية، التي بدورها لم تنتفض ككيان واحد ضدّ من يبيعها في سوق النخاسة «السوكلينية» لأجل مصالحه. فهل اضمحلت الروح الوطنية وتلاشت، كنموذج، «الهوية» العراقية – اللبنانية الجامعة تدريجياً بعد الضربات الماحقة التي لحقت بها في هذا المشرق؟

والسؤال الآن: هل ستكسب الحركات المناهضة للفساد الرهان في النهاية؟ يمكن استشعار نوع من التفاؤل، ولكن ينبغي ألا يكون أيضاً مُفْرطاً. فليس بالضرورة أن تكون الحركات المناهضة للفساد قادرة على أن تسقط دائماً الحكومات الفاسدة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى