الاضطرابات الإقليمية تهدّد استقرار الكويت

تزداد حدّة التنافس بين السعودية وإيران وتزداد معها حدة الطائفية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي الصغرى مثل الكويت.

ووفقاً لمقال تحليلي نشره معهد الشرق الأوسط للكاتبين سينزيا بيانكو وجورجيو كافيرو، لم تمثل العلاقة بين السنّة والشيعة مشكلة خلال معظم تاريخ الكويت الحديث، فعلى رغم عدم وجود إحصاءات رسمية، يقال إن نسبة الشيعة في الكويت تتراوح بين 25 و30 في المئة من تعداد السكان وقد لعبوا دوراً محورياً في التطوّرات السياسية في البلاد. كما أن العائلات الشيعية مندمجة بشكل كبير في الأجواء السياسية والاقتصادية اليوم. وهم يشغلون تسعة مقاعد من أصل خمسين في التجمّع الوطني ويتمتع النواب الشيعة بعلاقات طيبة مع الأسرة الحاكمة.

ويؤكد المقال أنه على رغم ذلك، فإن الانقسامات داخل البرلمان تتزايد، لا بل وصلت إلى حدّ العنف الجسدي بين الأعضاء السنّة والشيعة، وذلك استجابة للتطوّرات الإقليمية. كما ظهر التوتر بوضوح في الإعلام الوطني ومنتديات الإنترنت.

يشير الكاتبان إلى أن أسرة الصباح الحاكمة يتعيّن عليها التحرّك بحذر في النظام الجيوسياسي المضطرب في الشرق الأوسط، وذلك إذا ما أرادت الحفاظ على التوازن الهشّ داخل البلاد، الذي ظلّ دوماً العمود الفقري لاستقرار الدولة الخليجية في ربع القرن الأخير.

ويلمّح المقال إلى أنه سبق وأن ظهرت فترة وجيزة من التوتر الطائفي في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، عندما خشي السنّة أن تستغلّ إيران الثورة الشيعة في الكويت لتهديد استقلال الكويت واستقرارها، لكن الغزو العراقي للكويت غيّر شكل التهديد في وجهة نظر الكويت، وقاد إلى إعادة الثقة والوحدة بين السنّة والشيعة.

ويقول الكاتبان: «إن التطورات الإقليمية قد بدّلت من الوضع القائم، فإيران وحزب الله متهمان بتجنيد جواسيس داخل الكويت، ما حدا بالسلطات الكويتية بإنزال عقوبة الإعدام عليهم، حيث جرى تنفيذ الحكم على اثنين منهم في كانون الثاني الماضي، أحدهما كويتي والآخر إيراني، ما سبّب مزيداً من الضرر في الوحدة الوطنية للدولة الخليجية».

وفي السنة الماضية، اتهمت السلطات الكويتية النائب الشيعي السابق خالد الشطي بإهانة السعودية، وذلك على خلفية إدانته حملة التحالف العسكري العربي في اليمن. وقد تطوّر الأمر إلى قيام نواب في البرلمان بانتقاد الحكومة على انضمامها إلى التحالف، حيث قال أحد النواب الشيعة في تصريح لفضائية «المنار» الشيعية التابعة لحزب الله اللبناني: «إن التدخل في اليمن سيجلب الدمار على دول الخليج جمعاء».

وقد دفع كل ما سبق النائب الشيعي صلاح عاشور إلى القول: «إن الغضب الشيعي بلغ مداه، واتهم المسؤولين الكويتيين بالفشل في معاقبة الجهاديين الكويتيين السنّة على انضمامهم إلى تنظيم داعش». وقاطع هو وثمانية أعضاء شيعة آخرون جلسة برلمانية عقدت في كانون الثاني الماضي احتجاجاً على الإعدامات.

يشير التقرير إلى أن الكويت انحازت إلى السعودية في صراعها مع إيران، فقد استدعت سفيرها لدى إيران عقب الهجوم الذي تعرّضت له السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، انضمّت الكويت إلى خمس دول خليجية أخرى في إعلانها أن حزب الله اللبناني منظمة إرهابية. كما طالب أعضاء سنّيون في البرلمان الكويتي بمزيد من الإجراءات الرادعة إزاء إيران وحزب الله، الذين يتهمونهما بالسعي إلى قلب نظام الحكم.

وقد أتت تلك الخطوة في أعقاب قرار السعودية مراجعة علاقتها مع بيروت، وتعليق مساعدات للجيش والشرطة اللبنانيين تقدّر بحوالى أربعة مليارات دولار. كما فرضت الكويت ودول خليجية أخرى قيوداً على سفر مواطنيها إلى لبنان.

إلا أن الكويت لم تقم بقطع علاقاتها مع إيران مثلما فعلت السعودية، فهي تتعامل بحذر في منطقة يضربها انعدام الاستقرار الجيوسياسي. وهي بذلك تترك الباب مفتوحاً أمام تحسّن العلاقات مجدّداً مع طهران.

ويوضح المقال إن ثمة قلقاً كبيراً لدى الشيعة في الكويت من الحركة السلفية المحافظة، التي وجدت موطأ قدم لها في الكويت في الستينات من القرن الماضي. تسيطر الكتلة السلفية، التي أنشئت عام 1991، على ثلاثة مقاعد في البرلمان وأربع حقائب وزارية. ويقول النواب الشيعة إن التحرّك الدبلوماسي الكويتي ضدّ إيران وحزب الله سيدعم السلفيين الذين يعادون الشيعة صراحة.

كما يشير المقال إلى أن الآثار الجيوسياسية للتنافس السعودي ـ الإيراني والأزمات الطاحنة التي تضرب العالم العربي ستشكّل تحدّياً متواصلاً لحكم أسرة الصباح وقدرة الكويت على البقاء عضواً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي، مع الأخذ بعين الاعتبار اهتمامات شرائح مختلفة من سكان الكويت، بما في ذلك الأقلية الشيعية فيها. والواقع أن المخاطر المحيطة بالتوازن الطائفي في الكويت كبيرة، الذي اعتمد عليه السلام والرخاء ووحدة الكويتيين إلى حدّ كبير في الربع الأخير من القرن العشرين.

وأخيراً يقول الكاتب: «إنه يتعين على القيادة الكويتية احتواء التهديد الذي يشكله تنظيم داعش على النسيج الوطني وأمن البلاد». ففي حزيران الماضي، قامت مجموعة سعودية تابعة لتنظيم «داعش» تطلق على نفسها اسم «ولاية نجد»، بتنفيذ هجوم انتحاري في مسجد الإمام الصادق التاريخي الشيعي، والذي يقع في مدينة الكويت. وقد أوقع الهجوم، الذي وقع على بعد مبانٍ قليلة من وزارة الداخلية، 27 قتيلاً و277 مصاباً.

وعلى إثر ذلك، قام أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارة المسجد بعد التفجير، ودعا الكويتيين إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية لمواجهة تنظيم «داعش». ويبدو أن التنظيم عازم على اختراق النسيج الوطني ونشر الفوضى في البلاد عبر جعلها بؤرة ساخنة للعنف الطائفي في المنطقة كالعراق وسورية واليمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى