الفيدرالية العرقية… المشروع الأخطر على الوحدة السورية!

محمد ح. الحاج

الحديث عن الفيدرالية في سورية لم يعد همساً، بل أصبح متداولاً وبصوت عال، فيدرالية بين الشمال الشرقي السوري وبين باقي االجمهورية الحالية إنْ لم يكن هناك مشاريع أخرى طيّ الأدراج تنتظر هذه الدولة المستهدفة من قبل القوى المعادية، ويُقال بموافقة بعض الدول الصديقة، الجمهورية الحالية مطلوب تفتيتها باتفاق مماثل لاتفاق سايكس بيكو، مع ذكراه المئوية.

الفيدرالية التي يجري الحديث عنها والعمل لقيامها هي بين عرقيات، بعض الأكراد من جانب وباقي المجتمع السوري وكأنّ الأكراد ليسوا سوريين، هذا المشروع الذي يلقى صدى وقبولاً في أوساط أكراد الشمال، وتدعمه سراً الولايات المتحدة الأميركية على خطى الدعم الفرنسي عام 1936 لفيدرالية لواء الاسكندرون رغم عدم التشابه، إنما يخدم أحلام الصهيونية العالمية التي لم يتوقف سعيها لتحقيق مشروعها، على مدى العقود الماضية بشتى السبل والأشكال، المهم أن لا تبقى سورية على حالها… حتى الوضع الراهن الذي يشكل شوكة في العين الصهيونية بصموده، واستمرار دورة الدماء في شرايين مجتمعه العصيّ على التشرذم والتفتيت، ويبقى التساؤل مشروعاً إنْ كان لهذا المشروع أيّ نصيب من النجاح لأسباب موضوعية تتعلق بالنسيج السوري والتوزع الديمغرافي القائم. 6 آذار 2016 .

بعد كتابة الفقرة السابقة وكنت في قمة الانفعال والألم… اجتاحتني نوبة قلبية أدخلتني المشفى واستمرّت متوالية على مدى أيام، انتقلت بعدها إلى مركز الباسل لأمراض القلب – بدمشق حيث أجريت لي القثطرة وتوسيع الشرايين بالبالون وتركيب شبكتين للشريانين الأكثر انسداداً… وخرجت إلى فترة النقاهة، لكنني لم، ولن أتنازل عن متابعة الموضوع الذي يؤلمني.

لم يعد مجرد حديث، بل انتقل إلى حيّز الإجراءات… اجتماع عام موسع في رميلان، وإعلان قرار فيدرالية من جانب واحد لم يعترف بها أحد حتى الذين يعملون لها سراً، ومن خلال متابعة الأحداث ومجرياتها ضمن المنطقة المعنية، طرح الكثيرون من الأصدقاء سؤالاً مهماً: ما الذي كان يفعله اليهودي الصهيوني برنار هنري ليفي على الأرض السورية، وما الغاية من اجتماعه مع قيادات سياسية وعسكرية تمثل العديد من الأحزاب الكردية وما أكثرها وهل كان يخطط لهم أسس قيام الدولة خصوصاً بعد أن تسرّبت إلينا نماذج الإقامة الموقتة لمن يرغب دخول المنطقة حتى من السوريين وأنه بحاجة لكفيل كردي حصراً!

التطوّر الآخر… اجتماع لمجلس وجهاء وقادة العشائر في المنطقة، من عرب وسريان وأيضاً شخصيات كردية معروفة ومرموقة وإعلانهم رفض الاعتراف بما طرحه المجتمعون في رميلان من فيدرالية باعتبارها تناقض الدستور السوري، ولا تمثل رأي الشعب السوري وخاصة الشريحة الكردية التي ليست قاصرة على أكراد الشريط الحدودي مع تركيا بل هم منتشرون ومتجذرون في كلّ، أو أغلب المدن السورية وأهمّها حلب، وحماة، وحمص ودمشق وحتى اللاذقية، وفي هذه الحالة أين رأي هؤلاء وهم الغالبية ومنهم رؤساء وزراء، ووزراء وأعضاء مجالس شعب، وقادة عسكريون ومفتين ورجال دين، وفعاليات اقتصادية واجتماعية لها وزنها على ساحة الوطن والأمة، وهل يقبل هؤلاء بأن تصادر مجموعة من المغامرين المرتبطين بمشروع خارجي مفضوح قرارهم الذي قد يجرّ إلى حرب داخلية في المنطقة الشمالية لن تكون في صالح أحد وخصوصاً الأكراد الذين تستهدفهم تركيا وتنتظرها فرصة سانحة لضربهم ما يجبر الدولة السورية على خوض مواجهة عسكرية دفاعاً عن شعبها وسيادتها، مواجهة ليس أوانها وتريدها، بل تدفع لوقوعها الصهيونية العالمية، وهنا سرّ وجود الصهيوني الفرنسي ليفي راعي ثورة وثوار الربيع العربي .

النيات الخبيثة خلف طرح الفيدرالية لا يخفيها الإعلان والقول بأن لا نوايا انفصالية لديهم وأنها مجرد إجراء إداري يتجاوز الإدارة المحلية للخروج من المركزية! مع ذلك رفعوا علماً ترفعه حكومة مسعود البارزاني شمال العراق، ولن أتطرّق إلى تاريخ وارتباطات هذه الشخصية بمشاريع الغرب الصهيو ماسوني، بل أكتفي بالإشارة إلى تشجيعه هذا النهج رغم إدراكه أنّ الطيف الكردي الأوسع على الساحة السورية يرفض هذا المشروع الانتحاري بعد أن اكتشف ارتباطات وريث الجنرال الصهيوني وسلوكه المناقض تماماً للمصالح الوطنية سواء على الساحة العراقية أو حتى السورية، وهو من يستعين بخبرات الموساد الصهيوني للاستمرار على رأس حكومة شمال العراق بالقوة رغم المعارضة القوية التي عبّرت عن رأيها في أكثر من مناسبة، وفي واقع الحال يعلم الغرب أنّ استمرار وجود مسعود على رأس السلطة هو حالة غير شرعية وغير دستورية، لكنه باق ويستمرّ… وليست مجهولة القوى التي تقف خلف ذلك.

لا شك أنّ مسار الأحداث عبر قرون عديدة في المنطقة حمل معه، وسجل الكثير من المآسي بحق سكانها، ليس الكرد فقط وانما الكلدو آشور الذين دفعت بهم الضغوط إلى الهجرة بعيداً عن الوطن، ومعروف أنّ مناطق الجزيرة العليا هي سريانية كلدو آشورية بغالبيتها إلى زمن غير بعيد حيث بدأت عمليات التبدّل الديمغرافي تأخذ أبعاداً جديدة لأسباب موضوعية منها: خصوبة المنطقة وثرواتها المتنوّعة وقلة عدد السكان فيها موجات الهجرة من المناطق الشمالية التي تحتلها تركيا بسبب اضطهاد السوريين الأكراد في تلك المناطق هجرات داخلية بسبب الإصلاح الزراعي وزيادة المشاريع الاستثمارية في نفس الفترة التي شهدت تزايد الفقر وقلة الأمطار وانعدام المواسم في بعض مناطق الداخل، وكلّ ذلك يندرج في سياق الحركة الطبيعية للمواطنين داخل الوطن الواحد، وهكذا تبلورت أكثرية كردية مقابل اثنيات أخرى، لكنها ليست أغلبية بالنسبة للمجموع.

وحده التفكير القاصر والمريض لدى البعض يقود إلى سلوك انتحاري من نوع ما طرحه هؤلاء على أنه فيدرالية، متجاوزين دستور الدولة وقوانينها، مستغلين الوجود الخارجي وانحسار قوى الدولة وسلطتها التنفيذية في المنطقة وحصولهم على السلاح والدعم الخارجي المشبوه حتى، ربما من جهات صديقة، للدفاع عن أنفسهم ومناطقهم كقوى رديفة للدولة، لكن ليست بديلاً عنها، التفكير القاصر يمارس نوعا من أسوأ الديكتاتوريات التي تحاول فرض نفسها بالقوة، فهم لم يلتفتوا إلى رأي الشعب السوري، صاحب الحق في القرار بالتنازل عن جزء من أرضه وسيادته، بما في ذلك أبناء اللون الواحد، الذي يحاولون مصادرة قراره واحتكار تمثيله، وهذا الجزء هو الأعرق والأكثر خبرة ودراية بمصلحته ومصلحة الوطن، وهو من نقف إلى جانب مطالبه المحقة في المشاركة بحق تقرير مصير الوطن والأمة على قدم المساواة مع كلّ أطياف المجتمع السوري، ونؤكد أنه إذا كان من حق الوافد إلى هذا الوطن، وبعد سنوات محدوده قانونياً أن ينال حقوقه كاملة ويمارسها بعد حصوله على الجنسية، كالذين جاؤوا من كلّ أصقاع الدنيا بما فيهم العرب من شبه الجزيرة العربية، فإنّ السومريين الأكراد سوريون أصالة منذ آلاف السنين، وليس من حق أحد منهم التنازل عن هويته أو الانفصال عن وطنه الأمّ تحت أيّ ذريعة أو لأيّ سبب وإلا فهو يرتكب جناية الخيانة العظمى… خيانة الوطن.

البعض يطلق سخريته قائلاً: ماذا يسمّون نصف دمشق في مستقبل قريب… كردستان الجنوبية، وفيها من السوريين الكرد ضعف ما في منطقة الشمال السوري كله.

تتسابق المشاريع في الوقت المستقطع قبل أن تستعيد سورية عافيتها، أما نحن السوريين فسنقف بكلّ قوة ضدّ أيّ من هذه المشاريع التي تستهدف أمتنا ومجتمعنا لنؤكد أننا مجتمع واحد، أمة واحدة تاريخنا وارثنا الحضاري واحد، ولن نسمح بالتجزئة، وليفهم من له عقل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى