القارة العجوز بين مطرقة اللاجئين وسندان الإرهاب!
هشام الهبيشان
يبدو أنّ القارة الأوروبية العجوز قد دخلت نفقاً ومساراً معقداً مع الإرهاب، فبعد «جمعة باريس» الدامية، ها هي بروكسيل عاصمة أوروبا و«الناتو» تعيش هي الأخرى على وقع عمليات إرهابية كبرى وفي مواقع استراتيجية.
يأتي كلّ هذا وذاك في الوقت الذي تقدّمت فيه المنظومة الأوروبية بمشاريع قرارات داخل الاتحاد الأوروبي تهدف بشكل او بآخر إلى الحدّ من ظاهرة الإرهاب والهجرة واللاجئين داخل دول الاتحاد الأوروبي، وفي زحمة كلّ هذه التطورات التي تعيشها القارة العجوزة تستمرّ الحملات الأمنية بمناطق مختلفة من العواصم الأوروبية وخاصة في لندن وباريس وروما وبرلين إلخ… للكشف عن الخلايا الإرهابية المرتبطة بأحداث بروكسيل وقبلها باريس وغيرها، وخصوصاً بعد القبض على الإرهابي صلاح عبد السلام، الذي يعتقد البعض إنّ أحداث باريس الأخيرة ترتبط بملف اعتقاله.
اليوم… من الواضح أنّ الغرب وخاصة القارة الأوروبية العجوز، أصبح بين مطرقة الإرهاب العائد إليه وسندان المهجرين من الشرق الى الغرب، وهذا ما ظهر جلياً من خلال حديث المسؤولين الأوروبيين الذين يتحدّثون اليوم ويرفعون أصواتهم للبحث عن مسار للحلول لأزمات منطقة الشرق الأوسط، والتي يعتقد معظم المسؤولين الأوروبيين إنّ نتائج أحداثها وتداعياتها سترتدّ آجلاً أم عاجلاً على أوروبا، ومن هنا يبدو واضحاً أنّ نظرة المسؤوليين الأوروبيين بدأت تشهد تغيّراً ملحوظاً تجاه أزمات منطقة الشرق الأوسط.
فأحداث بروكسيل وقبلها باريس بدأت تفرض واقعاً جديداً على القارة العجوز، ومن ينظر إلى مجمل تصريحات المسؤوليين الأوروبيين وقراراتهم الأخيرة سيجد بشكل ملحوظ تغيّراً ملموساً في رؤية القارة العجوز لطبيعة الحلّ لأزمات الشرق الأوسط.
وبالعودة الى قراءة أعمق لمجمل عمليات ما جرى في بروكسيل مؤخراً وقبلها في باريس، فمن الواضح أنّ ما يجري في سورية ميدانياً اليوم بدأ يفرض نفسه وبقوة على ملف الإرهاب، واليوم هناك تقارير دولية عدة أكدت عودة المئات من المقاتلين الأوروبيين والعرب والشيشان الفارّين من زحمة هذه المعارك في الشمال السوري الى بلدانهم الأوروبية وبعضهم توجه الى ليبيا وأفغانستان واليمن والسعودية وبعضهم استقرّ في تركيا، هؤلاء المقاتلون الفارون من معارك الشمال السوري أكدت التقارير الدولية أنهم في صدد تنفيذ عمليات إرهابية في الدول التي عادوا اليها أو استقرّوا بها، وهذا بدوره سيزيد بشكل واضح من تعقيد ملف محاربة الإرهاب في القارة العجوز، رغم حجم التدقيق الأمني الكبير على اللاجئين القادمين إلى هذه القارة.
فعودة هؤلاء الإرهابيين الى دولهم وتنفيذ عمليات إرهابية كالتي حصلت في بروكسيل وباريس، شكلت حالة صدمة كبرى عند الدول الأوروبية الشريكة في الحرب على سورية، فإرهابهم الذي دعموه لإسقاط سورية يرتدّ عليهم اليوم، ولذلك هم اليوم في صراع مع الوقت لإيجاد حلّ ما يضمن القضاء على هذه المجاميع الإرهابية في سورية وعدم السماح بعودتها الى بلدانها وداعميها.
كما انّ خطورة تمدّد تنظيم «داعش» في شمال أفريقيا، في سيناء المصرية وفي أجزاء واسعة من شرق وجنوب شرق ليبيا، وخصوصاً بعد حادثة تفجير الطائرة الروسية المنكوبة في مصر، التي تبناها التنظيم المتطرف، يضع الأوروبيين أمام ملفات أكثر تعقيداً من ملف محاربة الإرهاب، فتمدّد التنظيم في مصر وليبيا بدأ يشكل عوامل ضغط إضافية على الأوروبيين، فتمدّد التنظيم بالشمال الأفريقي بدا يتزايد بشكل متسارع ويفرض وجوده وبقوة على الجميع، وخصوصاً على الأوروبيين، لا سيما بعد المعلومات التي رشحت من عناصر قيادية في التنظيم أن الأخير ينوي نقل مقرّ قيادته الرئيسية من العراق وسورية الى ليبيا.
ختاماً، إنّ معظم التطورات الخاصة بملف الإرهاب الذي بات فعلياً يهدّد المنظومة الاوروبية، تؤكد أنّ الغرب بدأ يستشعر خطورة عودة هذا الإرهاب الى أراضيه، والمرحلة المقبلة ستشهد بشكل مؤكد تطورات مهمة ودراماتيكية في ملف مكافحة الإرهاب غربياً، ولكن هذه المهمة ليست سهلة وستكون لها نتائج دموية وآثار سلبية كبرى على المجتمعات الغربية بعمومها، فهذه المجتمعات للأسف تتحمّل اليوم نتائج دعم ساستها وحكوماتها للإرهاب في المنطقة العربية، ومع كلّ هذه التطورات سننتظر المرحلة المقبلة لأنها ستحمل الكثير من المفاجآت الكبرى في ملف مكافحة الإرهاب غربياً.