كما في سورية في اليمن: السعودية تعترف بالفشل… وتكابر!
ليس ثمة ما تغيّر في سعي السعوديين إلى نصر حاسم في اليمن، وادّعائهم بقربه يبرّر قبولهم وقبول من يتبع لهم من اليمنيين بوقف شامل للقتال، وتالياً الدخول في الحوار السياسي. وليس في الأفق أن يتمكّن السعوديون وجماعاتهم اليمنية بما فيها تنظيم «القاعدة» المنضوي في القتال تحت تسمية «المقاومة»، من تحقيق التقدّم الذي وعدوا أنفسهم به ووعدوا العالم ببلوغه في كلّ من تعز وصنعاء منذ أشهر طويلة.
استخدم السعوديون كلّ مخزونهم القتالي مالاً وسلاحاً ورجالاً وتحالفات وصولاً إلى استئجار المرتزقة في «بلاك ووتر» وسواها. والنتيجة هي نفسها بلا طائل. حتى اضطروا للتباحث المباشر مع «أنصار الله» وأعلنوا في البداية أن الهدف تقنيّ يختصر بتبادل جثث وأسرى، ثم إدخال مساعدات طبية، ليتكشّف الأمر عن نجاح المبعوث الأممي بالإعلان عن بدء سريان هدنة شاملة في اليمن بدءاً من العاشر من نيسان المقبل، على أن يليه بأسبوع من تاريخ ثبات الهدنة بدء جولة محادثات سياسية في الكويت.
المعلومات المتصلة بمضمون التسوية التي يسعى إليها السعوديون لا تختلف عن التلاعب الذي يحاولون عبره الدخول على خطّ المسار السياسي في سورية. إذ حاولوا العبث بمفهوم الإرهاب ولا يزالون. وبعد فشلهم الكبير في تعويم «جبهة النصرة» وفرضها فريقاً سياسياً، وحسم أمرها بضمّها إلى لائحة الإرهاب أممياً واستثنائها من الهدنة، لا يزال وفد جماعة الرياض يضمّ تشكيلات إرهابية، كتلك التي يدمجها بالمسار السياسي بِاسم «المقاومة» في اليمن. وكما في سورية، لا يزال السعوديون وجماعتهم يحاولون تعطيل مسار فيينا الذي توّجه القرار 2254 وما حسمه لجهة أمر الرئاسة السورية وكل ما يتصل بالتكوين الدستوري والسياسي لمؤسسات الدولة السورية تحت شعار الانتقال السياسي في مرحلة التسوية، وتركها للسوريين وحدهم ضمن إطار مفهوم السيادة الوطنية، ليُحسَم كلّ خلاف حولها عبر صناديق الاقتراع في مرحلة متقدّمة من المسار السياسي. في اليمن يحاول السعوديون وجماعاتهم تسويق مفهوم للتسوية يريد تحجيم خصومهم وشقّ صفوفهم والمساومة على حجمهم التمثيلي، والتمسك برئاسة منتهية الصلاحية ورفض اللجوء إلى انتخاب برلمان ورئيس جديدين مستحقين دستورياً في اليمن عبر صيغة مجلس رئاسي مؤقت، كان موضع اتفاق بين اليمنيين قبل الحرب السعودية على اليمن. وهم يعلمون أن مهمة المجلس الرئاسي المؤقت لستة أشهر فقط كي يمهّد لدستور جديد يخضع للاستفتاء خلال ثلاثة أشهر، تليه انتخابات برلمانية ورئاسية في ثلاثة أشهر لاحقة.
السعوديون وهُم يتلاعبون بالمسارات السياسية لا يستطيعون منع هزيمتهم، بل تأخير الإعلان عنها، لأن كلّ التذاكي السياسي لا ينفع ما دام الجيب فارغاً من القدرات العسكرية التي تحميه في الميدان، واليد خالية من القدرات الشعبية التي تحصّنه في صناديق الاقتراع. ومشكلة السعوديين أنهم يقبلون خيار التسويات تسليماً بالفشل العسكري ويخشون التسويات إدراكاً منهم أنهم يسرجون قوى سياسية في سورية واليمن لا تملك قدرة المنافسة في صناديق الاقتراع، فيقفون في منتصف الطريق بين وقف القتال وصناعة التسوية. ولكونهم يموّلون ويفرضون المكانة التي تحظى بها جماعاتهم في سورية واليمن، فهذه الجماعات تستلذ الخضوع والتبعية للقرار السعودي إدراكاً منها لعجزها العسكري وفشلها السياسي، وأملاً كالأمل السعودي بما قد يسمح بالحصول على مكاسب سياسية لقاء، ما ليس له مكان في ميزان القوى، وهو المساومة على قدرة إعاقة الحلّ.
الجواب في سورية يتمثل بمواصلة الحرب على الإرهاب والمثال هي تدمر، وأما الزبد فيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في الأرض. والجواب في اليمن هو فلتقف الحرب وسنرى من الرابح، والنصر العظيم ثمرة الصبر العظيم..
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.