«نيو حصان طروادة»!

يُروى في الأسطورة اليونانية الشهيرة «الإلياذة» لكاتبها الشاعر الشهير هوميروس، عن المعارك بين طروادة وإسبرطة بسبب هروب إيلينا زوجة ملك إسبرطة مينالاس مع باريس ابن ملك طروادة عام 1193 قبل الميلاد، أنّ جيوش التحالف مع إسبرطة نزلت إلى شواطئ طروادة، ونشبت معركة هائلة وخيالية، وقُتل الآلاف، وسالت الدماء كالأنهار، وحاصر جيش إسبرطة دولة طروادة لعشر سنوات من دون فائدة. إذ كانت طروادة تتمتع بأسوار منيعة وعظيمة.

وكادت الجيوش تنسحب أمام عجزها عن اقتحام هذه المدينة، إلى أن عرف أحد قادة جيوش إسبرطة وهو يوليسوس، أنَّ أهل طروادة يقدّسون الحصان ويجعلون له مرتبة خاصة. فأشار إلى جيش إسبرطة بصنع حصانٍ خشبيٍ يتّسع لمجموعة من المقاتلين الأشداء.

صُنع الحصان الخشبيّ وجُرّ إلى مسافة قريبة من أبواب طروادة. وتظاهر المحاصِرون بالانسحاب، فظنّ أهل طروادة أنهم انتصروا، وأنّ عدوّهم انسحب مهزوماً وترك لهم هذا الحصان غنيمة!

انطلت الحيلة على الطرواديين، فجرّوا الحصان إلى داخل المدينة، ثم أطلقوا احتفالاتهم معلنين النصر الساحق، وأحيوا تلك الليلة بالمجون والسُكر! وانتهى الاحتفال بتسلّل جنود إسبرطة من الحصان الخشبي، والتوجّه إلى البوابة وكسرها، وإطلاق إشارة نارية للجيش المختبئ خلف الهضاب للانقضاض على طروادة فمزّقوها شرّ تمزيق ودمّروها تدميراً، وأصبحت خاوية على عروشها، وقُتل ملكها وأكثر شعبها.

تقول الأسطورة إن الجيش الغازي عجز عن اقتحام الأسوار الحصينة إلا بالحيلة والاختراق من الداخل واستغلال ما يقدّسه الطرواديون وما يحترمونه. وتستمرّ هذه الأسطورة في التاريخ المعاصر، فكان أن استخدم الغزاة الجدد حصاناً من نوع آخر هو الدين، لاختراق المجتمعات وتدميرها من الداخل من دون حاجة إلى حروب طاحنة وجيوش عرمرم. فيكفي شيخ مزيّف بعمامة ولحية يردّد باستمرار آيات من القرآن، وتعلو وجهه علامات الخشوع، كي يدسّ السمّ في العسل، ويحرّف في التعاليم السماوية ويخترق القيم الإنسانية ويدمّر أجيالاً كاملة بتكريس الخرافة والجهل والتحريض الطائفي البغيض، ونشر ثقافة التكفير وقتل الآخر المختلف بحجّة الجهاد.

في ما يُسمّى «الربيع العربي»، كان حصان طروادة ذا وجوه مختلفة. فحيناً يتّخذ شكل دعوات إسلامية من أجل الهداية والخلافة، وحيناً آخر دعوات إلى الحرّية والديمقراطية. وفي أحيان كثيرة يتّخذ شكل دعوات إلى التدخل بالداعي الإنساني.

وفي سورية رأينا كلّ هذه الأشكال مجتمعة. فبدأ التسلّل عن طريق الدعوات إلى الحرّية، وحين تصدّى السوريون لتلك الدعوات، ظهر التدخل لأجل الوضع الإنساني. وحين فشلت هذه المحاولات في اختراقنا، بدأ الوجه الحقيقي ينكشف على حقيقته أميركياً ووهابياً، تعلو وجهه نجمة داود، ويهدف إلى السيطرة على سورية وتدميرها بكل ما فيها من حجر وبشر وقيم وأخلاق.

سنوات مرّت، ونحن نقول: لن تمرّوا، ولن تخدعنا مصطلحاتكم «الخرندعية»، ونحن شعب مؤمن لا يحتاج إلى هداية من أحد، ولا يحتاج إلى إنسانيتكم. ولا نريد دموعكم الكاذبة، ولا نصدّق كلّ ترّهاتكم. والأهم من هذا كلّه، نحن سوريون أحرار قبل أن تُخلقوا على هذه الأرض، وسنبقى جبالاً من صوّان بعد أن تضمحلّوا كالغبار.

صباح من تقدّس التراب بدمائهم… صباح من كانوا طريقاً إلى النصر… صباح رفاقنا الشهداء… صباح الجيش السوري القيدوم والمقاومين الأبطال.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى