بعد تحرير تدمر… خيبات وأعراسُ نصر
حسين الديراني
معركة استراتيجية مصيرية خاضها الجيش العربي السوري وحلفاؤه لاستعادة مدينة تدمر التاريخية الأثرية في محافظة حمص السورية من أيدي العصابات الإرهابية، تكللت بالنصر بعد معارك ضارية استُخدمت فيها أنواع الأسلحة كافة.
لمدينة تدمر أهمية استراتيجية وتاريخية كبيرة، وبما أنّ القيادة السورية وحلفاءها مصمّمون وعازمون على استعادة كلّ شبر دنسه الإرهابيون المستوردون من كلّ أصقاع العالم، كان لا بدّ من استعادة هذه المدينة. فتدمُر قلب سورية سيطر عليها «الدواعش» بعد مجازر ارتكبوها بحقّ الجيش العربي السوري تحت مرأى ومسمع قوات ما يُسمّى «التحالف الأميركي ضدّ الإرهاب»، ما فتح شهية أردوغان لابتلاع الشمال السوري عبر مرتزقته من جبهة «النصرة» وأخواتها، وشهية النظام الأردني عبر دعم ما يُسمّى بـ«المعارضة المسلحة المعتدلة»، وهذا ما دفع الرئيس بشار الأسد إلى زيارة موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتنسيق والتشاور وطلب التدخل العسكري لمساعدة ومساندة سورية للقضاء على الإرهاب، وهذا ما حصل فعلاً.
تدخلت روسيا بكلّ قوتها لمنع سقوط سورية أو تقسيمها، وكان لتدخلها وتنسيقها مع الجيش العربي السوري وحلفائه نتائج سريعة في تحقيق انتصارات مذهلة وتقدم على جميع الميادين والجبهات، فاندحر مرتزقة أردوغان في الشمال السوري ودُفن حلمه.
أنجزت روسيا مهمّتها العسكرية وانسحبت جزئياً بعد أن مهّدت وعبّدت الطريق للجيش العربي السوري من خلال الضربات الجوية التي أنهكت تنظيم «داعش» ودمّرت مصادر تمويله، خصوصاً بيع النفط عبر تركيا.
بعد ذلك انسحبت روسيا مع الإبقاء على الدعم العسكري الجوي الذي شارك في عملية تحرير تدمر، ومن الجدير ذكره أنّ المدينة كانت محصّنة تحصيناً يعجز أي جيش في العالم عن اختراقه، إلا أنّ الجيش العربي السوري ورجال المقاومة وحزب الله تمكّنوا من دخولها وتحريرها ومَن يشاهد الأسلحة والصواريخ والأعتدة الحديثة التي خلّفها الإرهابيون وراءهم يدرك مدى تحصين هذه المدينة. فلدى هؤلاء الإرهابيين أسلحة لا تمتلكها إلا جيوش دول وليست مجموعات إرهابية دولية، أسلحة وفّرتها لهم السعودية وقطر وتركيا و«إسرائيل» برعاية أميركية، ويُعَدّ تحرير هذا الموقع الاستراتيجي نصراً على كلّ الأصعدة السياسية والدولية ويبعث برسائل متعدّدة الاتجاهات.
مَن المتضرِّر والحزين من تحرير تدمر؟
السعودية التي طالما تبجّحت بعدائها ومحاربتها لـ «داعش» فضحتها عدسات الكاميرات التي دخلت مدينة تدمر ومطارها العسكري بعد سحق ما يُسمّى رجال «دولة الخلافة» الإرهابيين، فتمّ العثور على أسلحة زوّدتهم بها المملكة ومواد غذائية ومعدات طبية.
المصاب الأكبر عند آل سعود وأصدقائهم الصهاينة سيكون عندما تتحرّر مدينة الرقة عاصمة الإرهاب وتعود إلى الحضن السوري الدافئ. فـ»إسرائيل» التي بذلت كلّ طاقاتها في دعم الإرهاب في سورية بهدف تقسيمها، والتي عالجت الجرحى الإرهابيين في مستشفياتها تمّ دفن أحلامها في قلعة تدمر التاريخية.
نشاهد الكيان السعودي يترنّح في اليمن، وهو يختم سنة كاملة من العدوان الوحشي البربري الإرهابي الصهيوني على الشعب اليمني إثر الانتصارات في سورية والعراق. يستنجد هذا الكيان البربري بالأمم المتحدة لإنقاذه من ورطته التي أطلق عليها اسم «عاصفة الحزم»، والتي ما كانت سوى عاصفة دمار وقتل وإرهاب للشعب اليمني شهدت عليها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والدولية.
طرف آخر تضرّر من تحرير مدينة تدمر، لا عاصمة ولا مدينة ولا قرية له وهو «المعارضة المسلحة المنتخبة سعودياً»، والتي تريد أن تقطف ثمار التضحيات والدماء السورية والحليفة في جنيف على طاولة حوار حول مستقبل سورية. باتت هذه المعارضة المسلحة الإرهابية تشعر بألم الضربات التي وجّهت لأبيها «داعش» في تدمر وما على أفرادها سوى الاستسلام إن كانوا سوريين أو الرحيل إن كانوا سعوديين، لأنّ كلّ إرهابي غريب مهما كانت جنسيته وهويته وعن أي طريق دخل سورية، فهو سعودي الفكر والعقيدة والتمويل.
مقابل الحزن والألم عند الرياض وتل أبيب، هناك فرحٌ عارم عند جبهة المقاومة وأعراس النصر تمتد من دمشق مروراً ببيروت وبغداد وصولاً إلى طهران وموسكو على هذا الإنجاز الذي ما تحقق لولا تضحيات وبطولات رجال الجيش العربي السوري والمقاومة وقوافل الشهداء الذين ستكتب أسماؤهم الخالدة مع أسماء عمالقة التاريخ في قلعة تدمر، ولولا الدعم والتنسيق بين دمشق وطهران وموسكو.
نحن على موعد لتسجيل وتحقيق المزيد من الانتصارات، وتوجيه المزيد من الضربات للإرهاب ومموّليه في الرياض وأنقرة والدوحة وتل أبيب وواشنطن.