بان كي مون: «جيش الأسد» ليس إرهابياً

روزانا رمال

اكتملت عوامل الانتقال من مرحلة الهجوم على سورية إلى مرحلة التسليم الدولي بالواقع الذي فرضه حضور الدولة السورية والحكومة ببسط سلطتها على الأرض التي بقيت واقعة خارج سيطرتها منذ بداية الأزمة السورية.

العناصر التي اجتمعت على سورية بدأت تشهد فكفكة جدية لعُقد كان من غير الوارد التوصل لحلول وسطية بشأنها، حتى بقيت بعض المصطلحات حجر عثرة لتقدم التسويات لفترة غير قليلة، وبعضها لا يزال عالقاً حتى الساعة مثل توقف السعودية عن التحدث عن عملية انتقالية بدون الرئيس السوري بشار الأسد.

متسلّحة بإدانة الأمم المتحدة المتتالية للنظام في سورية تذخّرت مواقف الدول الكبرى استنكاراً لما أسمته السلوك الديكتاتوري للنظام في سورية إبان القمع الذي قدّمته وسائل الإعلام التي استبقت المشهد السوري وتوحّدت حول نقل هذا المفهوم والترويج الكامل له في أولى مراحل الاحتجاجات الشعبية عندما كانت التظاهرات تطالب بالإصلاحات من ثم تتطور المطلب ليصبح نيات إسقاط النظام على غرار ما كان قد جرى في تونس ومصر.

انتقل المشهد إلى الصدام المسلح واجتاحت الفوضى سورية ليأتي عنصر التصعيد الأممي الثاني الذي دان ما روّج له من «مجازر الأسد» بشكل دوري، وخصص مجلس الأمن اجتماعات لسحب الشرعية منه بعدما سبقته مقررات مماثلة صادرة عن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. كل هذا يُضاف إليه تقديم مشاريع للتدخل العسكري في سورية على غرار تلك التي قدمت لقصف الناتو في ليبيا فكان الفيتو الصيني الروسي الشهير وكانت معه بداية الانعطاف بالمشهد.

كل العناصر التي ذكرت بدأت تتدحرج بشكل تدريجي وتتبدل المواقف من مصطلحات إلى عبارات أكثر مقبولية كان ثمنها سنتين من المباحثات الروسية الأميركية المتواصلة التي شهدت مراوغة أميركية هدفت واشنطن من خلالها إلى تحقيق أكبر قدر ممكن فيها من المكاسب وفتح الفرصة أمام حلفائها لاستثمارها بوجه أعداء واشنطن المباشرين، وهم: إيران وروسيا. فالأخيرة أخذت نصيبها من التمادي الأميركي في ملف جزيرة القرم وأوكرانيا كادت تدفع ثمن موجة حراك معارض قادتها واشنطن إبان فترة تسلّم هيلاري كلينتون وزارة الخارجية حينها التي تحدثت تقارير أمنية روسية عن تورطها فيها.

الانتفاضة الروسية بوجه الأميركيين فاجأت فريق البيت الأبيض الذي باتت تقع عليه مسؤولية ترويضها، بعدما اتخذت من الخيار العسكري منطقاً لصدّ الهجوم الأميركي غير المباشر في القرم ومن ثم في سورية. فوضعت النقاط على الحروف وثبّتت حضورها في الشرق الأوسط وكرست قواعدها في سورية وساندت الجيش السوري وحلفاءه منذ أيلول 2015 حتى اليوم في عمليات نوعية أحدثت تحولاً في مشروع التطرف الذي كان من المفترض أن يلامس عتبة موسكو بعد سورية. وتحت عنوان حماية أمنها القومي والحيوي انتصرت النظرية الروسية.

تحرك دبلوماسي مكثف تشهده اليوم الأروقة الدبلوماسية الدولية بالتوازي مع ما بات محتماً من اتفاق على إنهاء حرب اليمن ضمن التوازنات التي كشفت نفوذ القوى المتصارعة والمتحالفة على حد سواء في الأزمتين السورية واليمنية وبعد التحول الذي فرضه الانفتاح الغربي على طهران.

تحرير مدينة تدمر لم يمر بشكل عادي عند الأمين العام للأمم المتحدة الذي قدم موقفاً مفاجئاً ومغايراً لكل ما كان قد صدر عنه تجاه السلطات السورية والجيش السوري على مدار سنوات، فهو رحّب بشكل لافت باستعادة الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية. كلام بان كي مون يشكل نقطة تحول واضحة المعالم تؤكد ما كان منذ فترة وجيزة تقديرات بحلول لا يمكن توقع دقتها، فالأمم المتحدة التي غالباً ما تعمل على إيجاد صيغة إخراج قانونية وشرعية للدول المعنية بالأزمات وهي الدول الكبرى في الحالة السورية تعبّد الطريق الرسمي أمام الجيش السوري نحو شرعية قانونية دولية تسهّل تقديم الإخراج إلى دول العالم من بوابة القلعة الأثرية والمكتسبات التاريخية والحضارات الإنسانية لتقدمها دليلاً قاطعاً على وضوح وجهة الجيش السوري ونياته تجاه قتال الإرهاب بشكل حازم، خصوصاً أن سقوط آثار المدينة كان قد شكل صدمة دولية في المحافل الكبرى واحتل حيزاً واسعاً في وسائل الإعلام الدولية.

لم يكن وارداً قبل خمس سنوات صدور مثل هذا الترحيب عن الأمم المتحدة التي شاركت في تسعير المواقف بوجه الجيش السوري ومهّدت لسحب الشرعية منه واعتباره أحد أبرز ماكينات استهداف الأطفال والأبرياء في حملة منظمة قادتها واشنطن وحلفاء عرب، لكن اليوم تكشف الأمم المتحدة عن موقف متقدم للقوى الدولية تجاه السلطات السورية بعد الإنجازات الكبيرة التي تحققت على يد الجيش السوري في مجال مكافحة الإرهاب، في وقت تعيش أوروبا حالة من الذعر من هجمات تكفيرية متوقعة. الجيش السوري الذي كشف عن جدية بالقتال والذي تفتقد الدول الكبرى مثلاً عنه في مجال قتال التنظيمات الإرهابية بسبب عدم وجود عناصر تقاتل على الأرض جعلت منه حاجة وضرورة دولية لقتال قوى التكفير من دون أن تتورط بعض الدول بإدخال عناصر ميدانية من جيوشها إلى ساحة المعركة.

كلام بان كي مون يؤكد ان الامم المتحدة تستعد اليوم لتلميع صورة الجيش السوري وتظهر استعداداً لانقلاب جذري بموقفها منه، بعدما أسمته الحكومات الغربية بـ«جيش الأسد» لإظهار فئوية نشاطه وإنجازاته، وتكشف عن دور اممي مقبل يفتح الطريق امام واشنطن وحلفائها ويمهد لترجمة مواقف مستجدة أبرزها الاعتراف بشرعية الجيش السوري وتكريس ما يلزم للعملية السياسية المقبلة في سوريا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى