عذراً أوروبا.. عن أيّ إرهاب تتحدّثون؟

جمال محسن العفلق

عذراً أوروبا، قلوبنا ليست من حجر وعيوننا ليست من زجاج، ولكننا منشغلون بالبحث عن أشلاء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، منشغلون بتسجيل أسماء الضحايا والمفقودين. نحن نعيش في دائرة نار الإرهاب منذ خمس سنوات وأنتم الداعمون لهذا الإرهاب، أنتم أصدقاء الشعب السوري بعددكم وعدتكم وإعلامكم الذي رفض نقل الحقيقة وسهّل مرور وعبور الإرهابيين وسلاحهم، وفّرتم لهم خطوط الاتصالات وشاركتكم في نقل الأموال لهم وتحت ما سُمّي باب اللجوء الإنساني واتهمتمونا بأننا نبيد الشعب الأعزل، تهرّبتم من تصنيف جبهة النصرة وداعش وجيش الفتح أسماء كثيرة كنتم تقولون عنهم مقاتلين معتدلين…

فعن أيّ إرهاب تتحدّثون وعن أي إرهابيين تبحثون؟

من السهولة في مكان كتابة القصة السورية، منذ لحظة اشتعال المعارك فيها ووصول سفن السلاح عبر لبنان ودخول قوافل الإرهابيين عن طريق شريككم التركي من الشمال والأردني من الجنوب، في وقت كانت وسائل الإعلام تفبرك الصور وتنشرها عن مجازر وهمية اتهمتم بها الجيش السوري وقلتم إنكم تملكون الأدلة ولم يرَ أحد في العالم دليلاً واحداً على ادعاء صقور السياسة الغربية الساعين لتدمير سورية والتنكيل بشعبها، فقط لخدمة مشروع أميركا في تقسيم الشرق الأوسط.

واليوم بضاعتكم رُدَّت إليكم، ومَن قلتم عنهم ثواراً أصبحوا عقارب تلدغ في كل اتجاه، ولن يتوقف تدفق الإرهابيين ما دمتم توقدون النار في سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن. ولن تتغير المعادلة طالما أنتم تدعمون الإرهاب بغطاء سياسي وتوهمون أنفسكم أن هذا الإرهاب هو حالة عابرة وستنتهي. لن يتوقف الإرهاب مادامت حكوماتكم وقادتكم الأمنيون يرفضون التعاون مع الجيش السوري وحلفائه.

فهل يصدّق عاقل أن أوروبا المتطورة لا تعرف من هو الجناح المسيطر على ما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن؟ وهل يصدق عاقل أن أوروبا لا تعرف مَن هم المحرضون على القتل والإرهاب في الإعلام ولا يتوقفون عن بث الكراهية بين الناس؟ وهل يصدق عاقل أن أوروبا بكل مراكز الدراسات والباحثين لديها لا تميّز بين الخطاب المعتدل والخطاب الإرهابي؟ أين أجهزتكم الأمنية عن جرائم الإرهاب في سورية ألم ترصد تلك الأجهزة نقل المواد السامة عبر تركيا والآتية من أوروبا؟ أسئلة كثيرة لا تنتهي واليوم مطلوب منا الاستنكار والبكاء على ضحايا باريس وضحايا بروكسل وضحايا آخرين لا نعرف في أي عاصمة سيكونون وعلى يد مَن سيُقتلون؟ ولكننا نؤكد لكم أن قلوبنا ليست من حجر ولا عيوننا من زجاج، ولكن مَن يبكي ضحايانا؟ نحن نتعاطف مع شعوبكم، ولكننا نحمّلكم أنتم المسؤولية، أنتم أصحاب المعايير المزدوجة وأنتم من رضي بتصنيف المقاومة على قوائم الإرهاب، ولكنكم مازلتم متردّدين في تصنيف الإرهابيين الحقيقيين وتسميتهم. ومازلتم تتعاملون مع الدول الداعمة للإرهاب وتعتبرونها شريكة لكم في حل القضية السورية في وقت مازالت تلك الدول تدعم الإرهاب وترعاه، وتعتبره شريكاً في الحل السياسي.

إن الإرهاب اليوم خرج عن السيطرة الدولية ولن يتوقف إذا لم تسارع الدول الأوروبية إلى فتح سفاراتها في دمشق وإعادة التعاون الأمني مع الحكومة السورية وإعادة دراسة الأسماء من جديد، فخلف كل اسم تتبع للدول الداعمة للإرهاب جماعة تكفيرية تنفذ الأعمال القذرة وتزهق أرواح الأبرياء.

على أوروبا اليوم مراجعة الكثير من الاتفاقيات والبحث عن مموّلي المساجد في أوروبا أو دراسة الخطاب الديني الذي تبثه محطات فضائية مهمتها نشر الكراهية في العالم، وعلى أوروبا اليوم الاستفادة من تبدل تصريحات الأزهر الشريف والاعتماد على علماء الدين المعتدلين كمرجع لتحديد من هم الإرهابيون، فإلصاق تهمة الإرهاب بالدين هو عمل إرهابي يمس المعتقدات الدينية. ولا يجوز اعتبار كل متديّن إرهابياً في وقت هناك مجالس تدّعي أنها مجالس ثورة تمرر عمليات القتل للأبرياء لخدمة السياسيين.

إن كل مواطن اليوم في العالم العربي يتألم على الدماء التي مازالت تجري في الشوارع ولا يقبل بقتل الأبرياء، ولكن ما يحدث هو من اختيار الدول الغربية التي تسير خلف مشاريع الولايات المتحدة الأميركية صاحبة العلامة المميزة في صناعة الإرهاب الذي سُمي القاعدة ومازال هذا التنظيم يلد الإرهابيين وأمواله تعبر من مصارف النيويورك وتعود إليها.

والغريب في الأمر أن أميركا مازالت تحاول دفع العالم لتغيير مفاهيمه وتصر على تسمية المقاومين إرهابيين وتسمية الإرهابيين بالمقاتلين المعتدلين. السيد جون كيري زار موسكو لتبييض صفحة جماعة إرهابية تعمل ليل نهار على قتل الأبرياء في سورية والعراق وتهدّد لبنان، بينما تحالف الستين دولة الذي تقوده واشنطن لم يتقدّم شبراً واحداً في محاربة الإرهابيين، رغم الزعم اليومي لقائد غرفة العمليات أن ضرباتهم تؤثر بتنظيم إرهابي اسمه داعش. ومازالت الولايات المتحدة تحجب المعلومات عن الحشد الشعبي في العراق وترمي صناديق السلاح والغذاء لآخرين يعلم العالم أنهم إرهابيون، فكيف عجزت أميركا عن حماية أقليات في العراق، وهي التي تطبّل ليل نهار وتتغنّى أنها تقود حلفاً دولياً لمحاربة الإرهاب؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى