صيدا في مهبّ أطنان النفايات وشبح الجبل لا يزال مخيِّماً
يوسف الصايغ
في ظلّ غياب الشفافية عن أسلوب الحكومة في ملف معالجة النفايات، إلى جانب غياب البعدين البيئي والتقني، في ما يتعلق بعمل المطامر التي تمّ استحداثها، أثمر موقف شباب مدينة صيدا بمنع دخول النفايات إلى معمل الفرز الموجود في مدينتهم من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني، في خطوة تهدف إلى تجنيب صيدا كارثة بيئية ومنع إغراقها بالنفايات، في وقت يتهِّم البعض أصحاب معمل الفرز بالسعي إلى استقدام أكبر كمية ممكنة من النفايات تتجاوز ما تمّ الإعلان عنه، بهدف جني الأرباح، غير مكترثين بصحة أبناء المدينة أو تلويث هوائها، حيث باتت أطنان النفايات التي فاقت القدرة الاستيعابية لمعمل الفرز تتراكم خلفه، بينما يتم الحديث عن خطة لطمر كميات من تلك النفايات في الحوض البحري المُستحدث، من دون فرزها، ما سيؤدي إلى كارثة بيئية في بحر صيدا في حال حصول ذلك.
في هذا الإطار، يشير رئيس بلدية صيدا السابق د. عبد الرحمن البزري في حديث لـ»البناء» إلى «أنّ هنالك محاولة لإدخال مدينة صيدا في خطة النفايات التي أعلنتها الحكومة، لكنّ هذه الخطة غير واضحة المعالم وتحتاج إلى كثير من الشفافية». وإذ يذكِّر بأنه تمّ الاتفاق على وقف إدخال النفايات إلى المدينة، غير تلك التابعة لاتحاد بلديات صيدا الزهراني، يدعو البزري بلدية صيدا والحكومة «إلى تقديم مشروع خطة كاملة، وإذا وافقنا على هذه الخطة ووجدنا أنها ضمن سلة بيئية متكاملة تحفظ حقوق المدينة سنناقشها بإيجابية، أما إذا كانت الخطة غوغائية فسيكون هناك موقف رافض لجعل صيدا جزءاً من هذه الخطة».
ويشير البزري إلى نفايات «أكثر خطورة تدخل إلى المدينة، والتي يجري تهريبها عبر بعض المتعهّدين لتُرمى في الحوض البحري في صيدا، والآن لدينا وعد بأن تتم مراقبتها ومنع دخولها إلى المدنية». ويضيف: «هناك نقطة أساسية تحتاج إلى نقاش طويل وتتعلق بكيفية معالجة جبل النفايات الذي كان في المدينة وكيف قام المتعهد بالتخلص من هذه النفايات وطمرها في البحر من دون أي مراعاة للشروط البيئية». ويتابع البزري: «نحن نعتقد أنّ هنالك جهات في الـ UNDP قامت بالتواطوء مع بعض المتعهِّدين للإسراع في تنفيذ المشروع من دون أي ضوابط وهذا الأمر سيُحدث ضرراً كبيراً على الثروة البحرية ونحن سنتابع هذا الأمر للكشف عن المتواطئين».
أما في ما يتعلق بموقف نواب صيدا والقوى السياسية من مسألة إدخال النفايات إليها، يلفت البزري إلى «أنّ هناك بعض القوى المؤيدة لإدخال النفايات، كما يوجد فريق آخر رافض لهذا الأمر، ولكن نتمنى ألا يتم إدخال مسألة النفايات في الصراع السياسي أو التنافس البلدي، بل أن يكون هناك نوع من من التلاقي حول ما هو أفضل للمدينة ولسلامة أبنائها وصحتهم». ويضيف: «أما إذا كان البعض يعتبر إدخال النفايات إلى صيدا موقفاً سياسياً فهو مخطىء، فنحن نطالب بحقوق المدينة ونريد الحفاظ على سلامة أبنائها».
وفي سياق متصل، علمت «البناء» من مصادر مطلعة في المدينة «أنّ شاحنات النفايات التي كانت تتجه إلى معمل صيدا لم تكن تتضمن النفايات اليومية للعاصمة بيروت، بل هي عبارة عن أطنان من النفايات التي كانت متراكمة في شوارع العاصمة منذ بداية الأزمة». وعليه، استغربت المصادر «كيف تسمح بلدية صيدا بهذا الأمر»، كما استغربت «صمت نائبي المدينة بهية الحريري وفؤاد السنيورة، والقوى السياسية التي تدور في فلكهما عن هذه الجريمة بحقّ أبناء صيدا وصحتهم وبيئتهم».
ولفتت المصادر إلى «أنّ معمل معالجة النفايات في صيدا ينحصر عمله في نطاق اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني، وفقاً للعقد الموقع بين أصحاب المعمل والاتحاد، وبموجبه يتقاضى مالكو المعمل مقابل ذلك مبلغاً يُقدّر بحوالي مليون دولار شهرياً، وعليه فإنّ إدخال النفايات من خارج نطاق الاتحاد هو أمر غير مشروع حتى لو حصل على موافقة رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، الذي خرج بعد الاعتراض الشعبي ليعلن أنه طلب إيقاف إدخال شاحنات النفايات القادمة من بلديات زوق مكايل والحازمية وبعبدا لمعالجتها في معمل المدينة، مشيراً إلى أنّ إدخالها إلى صيدا كان «تدبيراً موقتاً وليس دائماً».
وعلمت «البناء» أيضاً، أنه وفي خطوة مستغربة وبعد قيام شرطة بلدية صيدا باعتراض شاحنات النفايات القادمة من ذوق مكايل والحازمية ومناطق أخرى لتفريغ حمولتها في المعمل، أُرغم قائد الشرطة البلدية في بلدية صيدا بلال الصياد على تقديم استقالته رغم أنه من المحسوبين سياسياً على تيار المستقبل، وتمّ ربط ذلك بعملية تهريب النفايات إلى المعمل، خصوصاً أنّ قائد الشرطة البلدية كان قد أوعز بوقف الشاحنات الغير واردة على قوائم البلديات المتعاقدة معها، وذلك تنفيذاً لقرار محافظ لبنان الجنوبي منصور ضو والقاضي بعدم إدخال نفايات من خارج الاتحاد إلى مركز المعالجة في صيدا.