قرار أميركي بالانفتاح على الدولة السورية دون انتظار نتائج جنيف استعدادات للجيش في عرسال… والمشنوق يحسم إجراء الانتخابات البلدية
كتب المحرّر السياسي
كما لم يكن يتوقع أحد غير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد، كانت معادلة الهدنة والإعلان عن الانسحاب الروسي والمحادثات في جنيف متلازمة ثلاثية لا بدّ منها لحسم الحرب في تدمر، وبدء زمن سياسي إقليمي ودولي جديد حول سوريا، فالرهانات والأوهام التي نشرتها هذه الثلاثية عن ارتباك في العلاقة السورية الروسية سهّلت فرص التحضير الهادئ لضربة محسوبة أعدّت لها كل أسباب النجاح، خصوصاً القدرة على حشد القوى البرية اللازمة لحسمها بسرعة متدحرجة في أيام، وكان للهدنة مساهمتها في تسهيل القيام بهذا الحشد، كما كان للرهان على ارتباك العلاقة الروسية السورية مساهمة في تضليل العواصم الإقليمية التي تستمدّ مخابرات داعش معلوماتها منها بشكل شبه رسمي أحياناً وعبر قنوات خاصة أحياناً أخرى.
حسم تدمر والتوجّه نحو معبر التنف والتقرّب من الرقة ودير الزور، بعد استرداد مساحة تعادل ثلاثة أضعاف مساحة لبنان، شكّل ما هو أبعد من الإنجاز العسكري، فخارطة الطريق الافتراضية في دوائر البيت الأبيض والبنتاغون، كانت تمرّ بالتركيز على معادلتين، التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية وتوضّعه جدياً في هذه الحرب، ومراعاة السعودية في تطلباتها الإقليمية، لضمان مشاركتها والدور المنتظر منها ومن تركيا في هذه الحرب. والمعادلة الثانية هي تعزيز قدرات جماعات سورية معارضة وتسليحها وتدريبها للقيام بمهام نوعية في هذه الحرب، وفيما لا تحسب معارك الأكراد التي بلغت سقفها، ظهرت قوات سوريا الديمقراطية كرهان، وفيما كان دخول الجيش السوري إلى تدمر بكل ما تختزن من صعوبات وتعقيدات حسماً لمقولة لا حرب تحقق النصر بدون السعودية وتركيا بوهم التصنيفات الطائفية والمذهبية التي يضعها الأميركيون في مقدمة حساباتهم لهذه الحرب، جاء دخول الجيش السوري إلى تدمر حسما نهائيا لأي محاولة لتصنيفه طائفياً وتأكيداً على معادلة الجيش الوطني أهم وافعل في مكافحة الإرهاب من ميليشيات ملوّنة طائفياً تحت شعار الغطاء المذهبي، كما أنهى الدخول إلى تدمر حكاية قوات سوريا الديمقراطية التي رعاها وواكبها الأميركيون لبلوغ معبر التنف بين سوريا والعراق انطلاقاً من الأردن، بعدما فشلت فشلاً ذريعاً، وصار الرهان الوحيد دولياً للتوجه نحو الرقة ودير الزور هو الجيش السوري، وهذا ما نقلته مصادر إعلامية روسية عن كلام لوزير الخارجية الأميركية جون كيري في لقاءاته في موسكو كنوع من التحدّي في كلامه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي كان يسأله، ماذا لو دخل الجيش السوري تدمر ووصل أبواب الرقة ودير الزور ليجيب كيري أن واشنطن عندها لن تنتظر نتائج جنيف لقرار الانفتاح على دمشق. وبالفعل نقلت مصادر على صلة بإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمواقع إلكترونية ترحيب البيت الأبيض بعملية تدمر، واعتبارها مفصلاً يبرر تكليف أصدقاء مشتركين بنقل رسائل التعاون بين واشنطن ودمشق، وقام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالإشادة بإنجازات الجيش السوري وتوصيفه كقوة فعالة
بوجه الإرهاب وضمانة لحماية ميراث الإنسانية، وتحدّثت مصادر مطلعة عن توقعات بحدوث لقاءات أميركية سورية، بعدما فتحت مفوّضة شؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني بلقائها رئيس الوفد الرسمي السوري إلى مفاوضات جنيف السفير بشار الجعفري الطريق لكسر الجليد بين واشنطن ودمشق وشكلت السابقة الممكن اتباعها.
على إيقاع إنجاز تدمر والإرباك الذي تعيشه الجماعات المسلحة في جرود عرسال ورأس بعلبك واندلاع الاشتباكات بين جبهة النصرة وتنظيم داعش، يستعدّ الجيش اللبناني لتعزيز تواجده ومواقعه في المنطقة تحسباً لمغامرات قد تُقدم عليها الجماعات اليائسة بعد قطع خطوط إمدادها وشعورها بوطأة الحصار وفقدان الأمل بالتواصل مع خلفية متينة.
بالتوازي مع استعدادات الجيش شرقاً، استعدادات وزارة الداخلية لورشة الانتخابات البلدية التي حسم أمرها وزير الداخلية نهاد المشنوق بتوجيه الدعوات للهيئات الناخبة.
ملف أمن الدولة إلى التسوية
لم تشهد عطلة عيد الفصح أي جديد في ملف الرئاسة أو على الصعيد الحكومي، بانتظار جلسة جديدة لطاولة الحوار الوطني يوم الأربعاء المقبل تليها جلسة لمجلس الوزراء الخميس على أن يكون ملف جهاز أمن الدولة الذي يتجه إلى التسوية بنداً أول على جدول أعمالها المؤلف من حوالي 90 بنداً.
وأكد وزير الاقتصاد ألان حكيم لـ«البناء» أن «هناك قراراً لبت ملف أمن الدولة بأسرع وقت ممكن من خلال إيجاد صيغة تسوية وسطية»، مشدداً على أن «الاتصالات على هذا الصعيد ستستكمل خلال اليومين المقبلين لبلورة هذه الصيغة وللحديث في تفاصيل التسوية»، معلناً أن «هناك توافقاً مع رئيس الحكومة لإنهاء الخلاف حول هذا الموضوع».
ولفت حكيم إلى أن «مضمون التسوية يجب أن ينطلق من تطبيق القانون الذي يُعطي المدير العام صلاحية في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الجهاز، كما الحال في سائر المؤسسات العسكرية».
ونفت مصادر وزارية لـ«البناء» أي تواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على هذا الصعيد.
ومن المتوقع أن تحضر زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الجلسة لا سيما لجهة المساعدات الدولية المقررة للبنان لإيواء النازحين السوريين والحديث عن توطينهم في لبنان.
باسيل: النزوح يهدّد لبنان بالزوال
وفي موازاة ذلك، أكد وزير الخارجية جبران باسيل، خلال مؤتمر صحافي، على رفض التوطين، قائلاً: «إن لبنان لن يحصل إلا على التوطين في حال لم يباشر باتخاذ الإجراءات اللازمة. هذا واقع يتعزز بسكوتنا وقبولنا بالمسايرة». وشدد باسيل على أن «التواصل مع السلطات السورية، قد يكون باباً من أبواب المساعدة على التخفيف من وطأة الأزمة، وليس السبيل الوحيد إلى الحل ولكن هناك رفض سياسي داخلي في لبنان، ممن لديهم موقف معادٍ للنظام السوري، لكن هناك علاقات دبلوماسية قائمة بين سورية ولبنان، والحكومة اللبنانية مقصرة في هذا المجال، في حين يجب أن يكون ملف النزوح السوري، الملف الأول المدرج على جدول أعمال جلسات الحوار، لأنه يهدد لبنان بالزوال».
حزب الله: نرفض التوطين
وسجّل تناغماً في المواقف بين حزب الله والوزير باسيل على هذا الصعيد، حيث رأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أن «زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان ليست بريئة في هذه المرحلة»، مؤكداً «أن حزب الله بالمبدأ ضد التوطين سواء كان توطين الفلسطينيين أو التوطين للسوريين».
وأكّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الموسوي أن «الحديث عن العودة الطوعية للنازحين السوريين هو طرح مرفوض، لأنه بلا شك متعلق بالتوطين الذي هو مؤامرة مكشوفة بحق الشعب السوري والشعب الفلسطيني والشعب اللبناني».
الراعي: الفراغ الرئاسي يسهّل التوطين
واعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال قداس عيد الفصح المجيد في بكركي، «أن الإحجام عن انتخاب رئيس للجمهورية يهدم شيئاً فشيئاً الوحدة الداخلية وموقع لبنان القانوني على المستوى الدولي ويجعل من لبنان أرضاً سائبة، سهلة لتوطين النازحين واللاجئين». مشدداً على أن «بقاء النازحين السوريين جميعاً حيث هم في حالات بؤس وحرمان، ولا سيما في لبنان بأعدادهم التي تشكل نصف سكانه، يجعلهم عرضة لاستغلالهم السياسي والمذهبي وبخاصة من المنظمات الإرهابية، ولذلك يرفض لبنان الرسمي أن تكون عودتهم «طوعية» كما جاء في قرار مجلس الأمن 2254».
لقاء نيابي قواتي – عوني…
ويتحضّر نواب التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» لعقد لقاء مشترك مهّد له لقاءا النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان الأسبوع الماضي على أن يتحول دورياً.
وسيبحث هذا اللقاء، إضافة إلى الملف الرئاسي الذي سيكون الملف الرئيسي، موضوع الانتخابات البلدية وقانون الانتخاب والوظائف المسيحية في الدولة في ظل ما يتعرّضون له من تهميش.
ورفض مصدر في التيار الوطني الحرّ الإفصاح عن الخطوات التي سيلجأ إليها «التيار» لمواجهة استمرار الفراغ الرئاسي وتهميش المكون المسيحي، وقالت لـ«البناء» إن «الخطوات المقبلة ستكون في إطار رفض الوضع القائم والعمل في اتجاه إيجاد الوضع الملائم لتصحيح التوازن بين المكونات اللبنانية».
المشنوق يدعو الهيئات الناخبة
على صعيد الاستحقاق البلدي، أصدر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أربعة قرارات، قضى بموجبها بدعوة الهيئات الناخبة للانتخابات البلدية والاختيارية في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك – الهرمل وجبل لبنان، على أن يصار إلى إصدار قرارات دعوة الهيئات الناخبة في محافظات الجنوب والنبطية والشمال وعكار الأسبوع الجاري.
إجراء كويتي جديد…
وعلى صعيد الإجراءات الخليجية العقابية ضد لبنان، ألغت السلطات الكويتية إقامات 60 لبنانياً بذريعة ارتباطهم بحزب الله الذي صنفته الدول الخليجية منظمة «إرهابية»، بحسب ما أفادت صحيفة القبس الكويتية، بعد أسبوع على إبعاد آخرين «ثبت انتماؤهم» للحزب.
.. والسعودية لن تذهب بعيداً
واستبعد مصدر دبلوماسي سابق أن تذهب دول الخليج بعيداً في إجراءاتها ضد لبنان، وأشار لـ«البناء» إلى أن «السعودية لا تريد تدمير الاقتصاد اللبناني ولذلك تقتصر الإجراءات على مجموعة معينة من اللبنانيين العاملين في دول الخليج، لأنها إذا قررت التوسع بإجراءاتها أكثر لتطال كل العاملين اللبنانيين في دول الخليج، فإن ذلك سيؤثر سلباً على الاقتصاد اللبناني».
ولفت المصدر إلى أن «دول الخليج تفصل بين حزب الله والدولة اللبنانية، ورغم ذلك إلا أنها لا تستطيع طرد كل المتعاطفين مع حزب الله»، مرجحاً «أن ينحسر هذا التصعيد الخليجي ضد لبنان تدريجياً باستثناء بعض الإجراءات العقابية التي ستتصاعد في الأيام المقبلة».
وتوقع المصدر أن «تكبح السعودية جماحها وأن تتجه إلى التسويات مع إيران لترتيب الملفات في المنطقة والخليج»، كما توقع أن «تتجه إيران أيضاً إلى الانفتاح على دول الجوار تماشياً مع سياسة الرئيس حسن روحاني الانفتاحية على العالم».
عرسال ساحة تصفيات بين «داعش» و«النصرة»
أمنياً، وعلى وقع سقوط مدينة تدمر السورية في قبضة الجيش السوري وحلفائه وهزيمة تنظيم «داعش» وانسحاب عناصره باتجاه الرقة ودير الزور، سجلت اشتباكات عنيفة بين «داعش» وجبهة «النصرة» في جرود عرسال ورأس بعلبك في البقاع الشمالي، في إطار تصفية الحسابات بين التنظيمين، ما أسفر عن وقوع أكثر من عشرين قتيلاً وجرح عدد كبير من مسلحي الطرفين، واستمرت الاشتباكات حتى منتصف ليل أمس.
«داعش» يحشد لاقتحام عرسال
وأشارت مصادر عسكرية لـ«البناء» إلى أن «هجوم النصرة على داعش جاء بعد سحب الأخير من قواته إلى سورية، فاستغلت النصرة الوضع المأزوم عند داعش وقامت بالهجوم على المواقع التي خسرتها منذ مدة».
وعلمت «البناء» أن «الاشتباكات أدّت إلى مقتل المسؤول الميداني في داعش أبو عزام وأفراد مجموعته وعرف منهم، أبوعبد الباري، وأبو الفاروق. وقتل من النصرة: أبو البصير، أبو خطاب التلي، حذيفة التلي، أبو إسحاق، وأبو عائشة العرسالي وهو لبناني الجنسية». كما علمت أن «داعش يحشد قواته ويستعدّ لاقتحام منطقة الملاهي والعجرم ومخيمات النازحين في جرود عرسال، بينما شوهدت عناصره تتجمّع في نقاط قريبة من تلك المنطقة المنوي استهدافها».
وتحدثت المعلومات عن مقتل «المدعو مجد محمد عبد المجيد الحجيري» وهو أحد أبرز قادة تنظيم «جبهة النصرة» التابع لمصطفى الحجيري وهو المساعد الأول له وملقب بـ «أبو البراء» وجثته لا تزال في ارض الاشتباك، بينما تتقبل عائلته التعازي في منزله في البلدة.
..وتوتر في عين الحلوة
وتزامناً مع التصعيد بقاعاً، توتر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة جنوباً، إثر إقدام أحد عناصر بلال بدر ويُدعى عمر الناطور، على إطلاق النار باتجاه عبد قبلاوي المنتمي إلى حركة «فتح»، عند مفترق سوق الخضار في الشارع الفوقاني، ما أدى إلى مقتله. وأعقب ذلك استنفار بين الطرفين، ما استدعى تدخل القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة لمعالجة تداعيات الحادثة وتطويقها.
وعلمت «البناء» من مصادر في المخيم أن «الحادث وقع على خلفية خلاف شخصي بين الطرفين وإثر قيام الناطور الذي ينتمي إلى مجموعة بلال بدر باغتيال قبلاوي الذي ينتمي إلى حركة فتح أقدم مجهولون لاحقاً على استدراج محمود الناطور شقيق عمر الناطور أثناء عودته من عمله، وتم إعدامه في الشارع».
وقالت مصادر في اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا لـ«البناء» «إنها عقدت اجتماعات عدة مساء أمس، في محاولة لتطويق الحادث وأنها طلبت من عائلتي الناطور وقبلاوي وقف إطلاق النار وتسليم القتلة والمتورطين في الحادث».
واستغربت المصادر اندلاع هذا الحادث في «ظل معاهدة ومصالحة تمت بين الطرفين منذ عشرة أيام»، واستبعدت المصادر أن «يتطور الأمر إلى أبعد من ذلك أو تتوسع الاشتباكات إلى مناطق عدة في المخيم»، مشددة على أن هذه «الاشتباكات تتجه إلى التطويق والانحسار وأنها تنحصر في الشارع الفوقاني والشارع التحتاني في حي الزيد».