تاريخنا.. وشياطين العصر

نظام مارديني

بعدما بدأت أحجار دومينو «داعش» تتهاوى وخشية بعض داعمي هذا التنظيم الإرهابي من تبعات انفلاته وتمدّده كالزئبق في شوارعهم وغرف نومهم، سنسمع كثيراً أصوات النشاز، نحيبها ونعيقها، ما يدل عن حجم ما يعتريها من قلق كامن من انتصارات الجيشين السوري والعراقي الذي هو امتداد لإرادة شعبنا منذ عمر التاريخ.

إن من أولى الأبجديات التي يجب أن يؤكد عليها كل كاتب في قضايا تاريخ بلاده وحضارته أن يعرف مسبقاً صلة الرحم التي تربط مدنها الحضارية منذ ما قبل سومر وحتى نينوى وتدمر.

لقد فرشت سوريانا وريقات تاريخنا من خلال لغتنا الآرامية التي كانت لغة المراسلات والملوك الممتدّة على مساحة واسعة من الكرة الأرضية، فليتيقّن الإنسان السوري أننا أمة تنظر إليها الأمم بعيون الحسد، وهي بسبب هذا الحسد تتّهمنا بكل سيئات الدنيا، ولكنهم لم يدركوا أننا رافقنا عمر الأرض عندما بدأت الأشجار بالتكوّن والأنهار بلملمة مائها من الأمطار وجوف الأرض. لم يدركوا أننا تواجدنا مع أول حبة اخضوضرت في ربيع التكوين وتنفست هواءها من هذا الفضاء السوراقي وتغذّت على ذرات تراب هذه الأرض.

كنا مع أول كائن يطأ وجه الأرض حتى مع ذرات الهواء التي تكونت مرت بنا لنساعد على تكوّنها وأن نتنفسها لنترجمها هواء للنباتات، ومازلنا لم نربح برغم جروح «هابيل» التي أحدثتها الروح الشيطانية لدى «قابيل» بعد أن تذوقت الأرض أول قطرة دم سورية تداخلت في شقوقها فظنته ماء فأدمنته ولا تزال تتوالى الدماء لترضي جشع الحساد وليشرب الشيطان داخلنا منها ويرتوي.

صحيح لقد خذلنا كلَّ الطامعين وهزمناهم منذ ساعات فجرهم الملوّثة بنعيق دواعشهم ورفعنا رايات النصر فوق قلعة تدمر. وها نحن نستعدّ لنرفع الراية فوق تلال نينوى وفي كل الأمكنة منذ أن دقت الملكة اليسار مسمارها في خشبات سفينتها التي كانت رايتها تعتليها ويداعبها الهواء ويزيدها فرحاً برفرفتها قبل أن تحطّ مراسيها في قرطاج.

انظروا لشياطين العصر الذين أسموهم الدواعش، كيف سحق شعبنا الممتد من جبال كردستان الأبية وحتى شواطئ فلسطيننا الحبيبة ، رؤوسهم بعد أن ارتجف العالم من إجرامهم؟ كيف أذقناهم طعم الموت فقلبنا وجه التاريخ على وجوه داعميهم وسطّرنا نصرنا؟ فشكراً للحياة لأننا «سوراقيون».

نعم، هنا كان وما زال حبل جلجامش السري يزيد الأرض خضرة. كيف لا نربح ورؤوس الرماح دُقَّت بمطارق البابليين ومعدن السيوف خرج من جوف أرض بابل فلمعت كلمعان تاريخنا المطرَّز بالنصر والإبداع، وهنا وضعنا قوانين الإنسان فكان لبيت عشتار وأورنمّو وحمورابي وغيرهم يخطّونها لتكون أولى القوانين في الكون، فكيف لا ننتصر وقوة هنيبعل وسرجون ما زالت في قبضاتنا وما زال التاريخ يدفع بنا لنبقى ونسودَ؟

يحاولون قطع حبل السُّرَّة بين نسيجنا ومدننا وتاريخنا وحضارتنا، ولكن أنّى لهم أن يستطيعوا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى