لماذا بروكسيل وماذا بعدها؟

مصطفى حكمت العراقي

استفاق العالم في الثاني والعشرين من آذار على تفجيرات دامية حصلت في العاصمة البلجيكية بروكسيل المعروفة بازدحامها الشديد وكثرة الحركة فيها، وهي التي تمثل بوابة الاتحاد الأوروبي نظراً إلى وجود مقرّ الاتحاد فيها.

وخلّفت التفجيرات التي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى حالة من الخوف الشديد والهلع امتدت على كامل مساحة الدول الأوروبية، باعتبار أنّ اختيار العاصمة البلجيكية هدفاً للأعمال الإرهابية يمثل تحذيراً شديد اللهجة لكلّ الدول، خاصة الأوروبية منها فالمدينة المستهدفة تعتبر عاصمة الاتحاد الأوروبي وحلف «ناتو» كما أنها تحوي مئات المقرات والمراكز والمؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي، وهذا ما يجعل دول الاتحاد تبدو وكأنها قد ضربت جميعها. أما أسباب حصول هذه الأعمال فهي عديدة، فبلجيكا توصف بأنها بؤرة الإرهاب الأوروبي، وحي «مولينبيك» البلجيكي يوصف بأنه يغذي الجهاد في أوروبا والعالم بالنظر إلى واقع ساكنيه لجهة ارتفاع نسبة البطالة وانتشار المساجد، لذلك تعتبر بلجيكا مصدر التطرف الإسلامي في أوروبا، إضافة إلى الانقسام السياسي في الاتحاد الأوروبي وأزمة اللاجئين، ما يمنح المتطرفين فرصة ذهبية للتخويف والقيام بهذه الأعمال، كما أنّ الأرضية الملائمة لتنفيذ الهجمات الإرهابية موجودة أصلاً وبدأ ذلك في ربيع 2014 عندما أطلق مواطن فرنسي النيران في المتحف اليهودي في بلجيكا وتبين أنّ له ارتباطات مع «داعش». وتلى ذلك هجوم تعرضت له مجلة «شارلي إيبدو» وهجمات باريس الإرهابية التي حدثت في خريف العام الماضي.

تحولت أوروبا منذ فترة إلى قاعدة لتجنيد المسلحين في صفوف «داعش» لغاية إسقاط الدولة السورية التي تبنّتها معظم دول الاتحاد الأوربي سابقاً، والآن عاد ما بعثوه إلى سورية بعد فشل سعيهم إلى تنفيذ أعمال إجرامية في بلدانهم كما أنّ الإرهابيين يعرفون جيداً الأماكن التي يهاجمونها في أوروبا ويستطيعون الوصول إليها في الوقت الذي يريدونه. أما اللاجئون فهم مستمرون بالتدفق نحو أوروبا بعد أن حاول الغرب الاستفادة من هذه الأزمة لغاية الضغط عليهم مستقبلاً لجهة الحصول على أصواتهم في الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، وهذا ما ارتدّ عليهم إرهاباً لأنّ «داعش» يستغل أزمة اللاجئين في أوروبا كوسيلة لتجنيد العملاء إذ أنّ أزمة اللاجئين تعطي المتطرفين فرصة رائعة لتأجيج الانقسام بين الشرق المسلم والغرب. وقد برزت تصريحات مسؤولين في بعض الدول الأوروبية بأنها ستستقبل فقط اللاجئين المسيحيين.

هناك انقسام في الاتحاد الأوروبي، ورغم الصعوبات التي واجهت إقرار اتفاقية اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا التي حصلت على تنازلات كبيرة من الأوروبيين، لكنّ دول الاتحاد بعد تفجيرات بروكسيل صارت تنظر بتشاؤم أكبر إلى موضوع دخول ملايين الأتراك من دون تأشيرات إلى أوروبا، وازداد الحديث عن العودة إلى الحدود الداخلية بين الدول الأوروبية وهو ما يمهّد لدقّ المسمار الأخير في نعش منطقة شنغين. كلّ هذا جعل الاتحاد لقمة سائغة في فمّ الإرهاب، إضافة إلى أنّ حصول هذه العملية الإرهابية جاء مباشرة بعد حدثين بارزين يمكن اعتبارهما سبباً لما حصل وهما اتخاذ البرلمان الأوروبي قراراً غير ملزم لحكومات دول الاتحاد بوقف تزويد السعودية بالسلاح لأنها ترتكب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في حربها الإجرامية على اليمن، ثم إلقاء القبض على أحد المشتبه بهم في عملية باريس الإرهابية صلاح عبد السلام في بروكسيل، فكانت الجريمة الإرهابية تلك بمثابة الانتقام والإنذار الذي يوجّه لأوروبا لمنعها من اتخاذ أي إجراء يمسّ بالسعودية الراعي الأساسي للجماعات الإرهابية والمستثمر فيها. وهنا يمكن العودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً عندما وقعت تفجيرات وأعمال إجرامية في إندونيسيا وباكستان في كانون الثاني الماضي وذلك بعد رفض الدولتين الدخول في الحلف الإسلامي لمحاربة الإرهاب والذي شكلته الرياض، كذلك ما حصل مؤخراً في تونس من أعمال إرهابية مباشرة بعد رفض القيادة التونسية السير مع الرياض في تصنيف حزب الله منظمة إرهابية. فهل كلّ هذا يحدث صدفة؟

أما الحدث الثاني البارز والذي سبق تفجيرات بروكسيل فهو قيام تركيا باستدعاء السفير البلجيكي في أنقرة لتقديم شكوى بشأن خيمة نصبها أنصار حزب العمال الكردستاني بالقرب من موقع عقد مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا في بروكسيل قبل أيام، خصوصاً أنّ أنقرة كانت ولا تزال الممرّ الإلزامي للإرهابيين القادمين من شتى دول العام لدخول سورية وهي من يدعمهم بكلّ ما يلزمهم لمحاربة الدولة السورية. فهل ردّت أنقرة على بروكسيل بهذا العمل؟

في المجمل، إنّ هجمات بروكسيل تطور طبيعي للعمليات الإرهابية في أوروبا فازدياد عدد العمليات التي نفذها الإرهابيون يشير إلى أنّ أوروبا غير جاهزة لمواجهة خطر الإرهاب حتى بعد التحذيرات المسبقة من قيام أعمال كهذه ما يوحي بأنّ أوروبا على عتبة عمليات إرهابية جديدة كما حصل في باريس سابقاً، وما يحصل في تركيا وبلجيكا وقد يحدث مستقبلاً في أي دولة أوروبية، إن لم يلجأ الغرب إلى التعاون مع من يحارب الإرهاب حقاً لا شكلاً وترك المناكفات السياسية والتوجّه إلى محاربة الإرهاب الحقيقي وترك الخنوع أمام المال السعودي الذي يُستعمل في نشر الفكر التكفيري وإنشاء الجماعات الإرهابية لغايات سياسية، فمن أراد أن يحارب الإرهاب فدمشق هي الممرّ الإلزامي لذلك ومن دونها، ذوقوا ما كنتم تفعلون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى