الإيقاع في تدمر يضبط الخطى في جنيف!
محمد ح. الحاج
أن يتمّ تحرير تدمر من «داعش» أمر يبعث على الفرح في نفوس أهلها ونفوس السوريين عامة وفي أوساط الحكومة السورية والحلفاء والأصدقاء، لكن أحداً ما كان يتوقع مثل هذا الفرح في الأوساط العالمية، قادة كبار يتبادلون التهاني ويباركون للحكومة والجيش السوريين هذا الإنجاز الكبير، وتتسارع الخطى نحو عاصمة زنوبيا لتثبت من جديد أهميتها التاريخية وموقعها الذي ما زال ماثلاً بعد مئات القرون من روما حتى اليوم يفرض نفسه.
تدمر بوابة سورية الشرقية تلفظ من بين جنباتها أكثر المتخلّفين في التاريخ الحديث وحشية بعد أشهر عشرة، لكنهم تركوا أحياءها وشوارعها الجميلة ممزقة، وحوانيتها الأثرية مخلّعة الأبواب والدعائم، مطاعمها وفنادقها أقرب إلى الخراب، الأهمّ أنّ المتوحّشين زرعوا شوارعها وثناياها بأحدث الألغام والمتفجّرات ويبذل الجيش الذي افتداها بمئات الشهداء أقصى الجهود لتنظيفها قبل أن يسمح لأهلها بالعودة، وهم التواقون المتوثبون وأغلبهم يقول يكفينا أن نجد الجدران… سنعيدها أجمل ولن نتردّد في العودة فلا بديل لنخيلها وزيتونها وحياتنا مرتبطة بوجودها…
الحدث على أهميته لا يتجاوز من حيث القيمة الفعلية تحرير أيّ من المدن الأخرى، الرقة مثلاً أو فك الحصار عن دير الزور وتحرير بلدات ريفها، لكن من ينظر إلى الخريطة يدرك معنى تحرير نقطة الارتكاز الاستراتيجي التي تتحكم بكافة المحاور، سواء باتجاه الشرق إلى الرمادي أو الشمال الشرقي نحو البوكمال أو باتجاه الجنوب إلى ريف السويداء ومثلث الحدود الأردنية السعودية العراقية، من يسيطر على تدمر يتحكم بكلّ هذه الممرات ويفرض قطيعة وحصاراً على المناطق الأخرى المذكورة فيمنع عنها الإمداد الآتي من الجنوب أو الشرق، وهذه الميزة لم تفارق تدمر منذ العصر القديم وحتى اللحظة رغم تطوّر وسائل النقل واختلافها.
على صعيد الاستراتيجيا الداخلية، يثبت الجيش السوري وحلفاؤه أنّ يده هي العليا وأنه الوحيد القادر على محاربة الإرهاب وهزيمته رغم استمرار بعض الدول ومنها تركيا والسعودية بإمداد العصابات الإجرامية بما تحتاج، ما يهمّنا هو رهان البعض على استمرار سيطرة «داعش» وأخواتها على مساحات واسعة من الأرض السورية واستثمار هذه الورقة في محادثات جنيف على أنّ الدولة السورية لا تسيطر على الجزء الأكبر من أراضيها وكأنهم هم من يسيطر عليها في الوقت الذي لا يجرؤ أيّ من أركان المعارضات الخارجية على دخول الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة أيّ من التنظيمات، حتى ما يسمّى «الجيش الحرّ»، لأنهم مرفوضون أصلاً من كلّ التنظيمات ولانكشافهم أمامها على أنهم يتاجرون بها وأنهم مجرد باحثون عن مواقع ومراكز ومناصب وهم غير معنيين بمعاناة أحد من أبناء الشعب السوري الذي يدّعون تمثيله والنطق باسمه.
هزيمة «داعش» في تدمر، وقريباً في القريتين وفي كلّ المواقع الممتدّة من تدمر إلى دير الزور على الطريق الدولية شكلت هزيمة في الصميم لمشاريع الدولتين المعتديتين، السعودية وتركيا ورهانهما على تمدّد «داعش» على الأرض السورية، وأيضاً هي خيبة أمل للمعارضات الخارجية بعد أن فقدت دعم وتأييد الكثير من دول العالم واكتشف الغرب سطحيتها وضحالتها وانعدام تأثيرها على الداخل السوري، وبقي لها أن تلعب آخر أوراقها لكن خطواتها المقبلة محكومة بايقاع الجيش في تدمر وما بعد تدمر، ما يعطي لرئيس الوفد السوري المفاوض قوة نبرته، وثبات مواقفه، وأحقية تساؤلاته التي لم يستطع الإجابة عنها الموفد الدولي دي ميستورا حتى اللحظة، ومن المؤكد صعوبة وصول المعارضات ليكون لها وفد موحد يمكنه الحوار مع الوفد الحكومي السوري، وربما استحالة ذلك.
القراءة الخاطئة للمعارضات الخارجية للخطوة الروسية سحب جزء كبير من قواتها أوحت ببعض تفاؤل في أوساطها وبدأ الرهان على وقف الهجوم السوري، وربما توقع بعضهم تغيّرات دراماتيكية على هذا الصعيد، لم يتمكّن هؤلاء من فهم المغزى لهذا التحرك، لا في بدايته التي جاءت رسالة واضحة وقوية لحلف الناتو بعد المحاولة التركية لجرّه إلى الصدام مع القوات الروسية، ولا عند سحب القوات غير الضرورية للمعركة داخل سورية بعد أن تبلورت مواقف الغرب، والتفاهم الأميركي الروسي وإبلاغ تركيا بالموقف الفعلي للناتو في حال استمرارها بفتح الحدود، لدعم العصابات وعلى رأسها «داعش»، والتحرش بالقوات الروسية، بعض التنظيمات العسكرية في الداخل قرأت على نفس المنوال فأعلنت عدم التزامها بالهدنة إلى أن تلقت ضربات قاصمة فانصاعت، وبعضها هام ملتجئاً إلى «داعش» أو «النصرة»، الهدنة أدّت إلى أكثر من الفوضى داخل التنظيمات، ودفعت بالمدنيين في تلك المناطق إلى ممارسة ضغوط والقيام بتظاهرات تطالب بالتزام الهدنة وايجاد حلول للوضع العام المزري في تلك المناطق، وتخللت ذلك صدامات دموية في الوقت الذي تتزايد معه صلابة موقف بقية المناطق التي استعادت أمنها وسيرورة الحياة الطبيعية فيها، وستتوّج ذلك بإجراء الانتخابات النيابية للتأكيد على استمرارية الحياة الطبيعية وتمسك السوريين بقرارهم السيادي وتطبيق الدستور الذي توافقوا عليه، ورفض أية املاءات خارجية.
المراقب المتابع يقرأ جيداً استراتيجية الجيش وتطبيقه أحدث الخطط العسكرية على مساحة واسعة مستفيداً من طبيعة الأرض، والدعم الجوي لتقسيم منطقة تواجد العدو إلى جزر يطوّقها ويتحكّم بطرق مواصلاتها ويمنع إمدادها لوجستياً، عملية الحصار تتكفّل باستنزاف المجموعات المحاصرة ودفعها إلى الانهيار والهزيمة النفسية قبل العسكرية، ومع أنّ وحدات العدو بالأساس تقاتل حتى الموت إلا أنّ الهزيمة الداخلية نفسياً تدفع بها إلى ارتكاب الأخطاء القاتلة وخلخلة صفوفها والبحث عن مخارج لتنظيم تلك الصفوف أو تأمين منافذ الإمداد اللوجستي فتخرج من من جحورها وتحصيناتها لتقع في الفخ وتكون الهزيمة.
بعد تدمر… القريتين جزيرة كبيرة إلى حدّ ما، منافذها الرئيسة أصبحت مغلقة، وإمدادها لوجستياً أمر في غاية الصعوبة مع الرقابة الجوية المشدّدة، والطريق الرئيس للإمداد هو المحور الممتدّ شرقاً باتجاه تقاطع طريق دمشق تدمر… السبع بيار، وبالتالي يتأكد أنّ الإمداد سيكون من السعودية عبر الأردن أو بادية جنوب الأنبار… ما يحرج السعودية والأردن وهما يعلنان أنهما مع تحالف الغرب ضدّ «داعش»، وهذا الغرب يدرك اليوم ويعلن أنّ «داعش» هي السعودية والسعودية هي «داعش»، ولا ثقة للغرب بما تقوله السعودية، فعائلة بني سعود طبقاً لكتاب الحاخام بن زفي بعقيدتهم الوهابية هم فصيل يهودي مثلهم مثل السامريين، يمارسون طقوسهم اليهودية سراً رغم إعلانهم أنهم حماة الحرمين الشريفين، وبالتالي هم في خدمة المشروع الصهيو ماسوني منذ تأسيسه حتى اللحظة… حقيقة يجب أن يدركها أبناء نجد والحجاز وأن يتصرّفوا على هذا الأساس للتخلص منهم وتحرير بلادهم من رجس هؤلاء.