«إسرائيل» وتوظيف الآخرين

رامز مصطفى

عندما يُقال إنّ الكيان «الإسرائيلي» على الدوام إما هو من يقف وراء الكثير من الأحداث الإقليمية وبعض الدولية، أو هو يوظفها ليكون المستفيد من ورائها، على الفور يخرج علينا من يُكيل الاتهامات من كلّ حدب وصوب قائلاً: «نظرية المؤامرة ليست سوى وهم تُعشش في رأس مطلقيها وأصحابها في تحميل المسؤولية لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية». هذه الهرطقة التي تتطوّر سريعاً لتنتقل من وجهة نظر إلى قناعات وربما ثقافة، ما هي إلاّ محاولة بائسة من هؤلاء، الذين ازدادت أعدادهم ليتحوّلوا إلى جيش خلال سنوات حروب المنطقة الخمسة الأخيرة، وذلك بسبب ضعف المناعة الوطنية والقومية لديهم، والذين باتوا يجدون في الكيان «الإسرائيلي» مكوّناً «طبيعياً» في المنطقة، يجب طيّ صفحة العداء معه. بل هناك مساحة واسعة للتعاون معه في مواجهة أخطار أعداء يتلاقون عندهم، في تبديل فاضح لعناوين الصراع في المنطقة، والشواهد هذه الأيام كثيرة لا تحصى، وباتت في وضح النهار وتحت شمسه، ومن فوق الطاولة لا من تحتها. ومن دون الاسترسال في الشروح لتلك الشواهد التي في مقدور من يودّ تبصّرها أن يتوصّل إليها من دون عناء، لأنّ أصحابها لم يعودوا في حاجة لإخفائها أو التكتم عليها.

وليس آخر الفوائد التي يجنيها الكيان «الإسرائيلي» على حساب مصائب الآخرين، هو تمكّنه من استجلاب أعداد من اليهود اليمنيين على وقع العدوان الذي تقوده السعودية وحلفاؤها ضدّ اليمن منذ عام، لم تبقِ ولم تذر بحق البشر والشجر والحجر على أرض اليمن، الذي يزيدون من تعاسته ومأساته وحرمانه. فقد أشارت الصحافة العبرية إلى نجاح الجهود «الإسرائيلية»، وبعملية غاية في السرية من إيصال مجموعة من اليهود إلى الكيان وعلى رأسهم الحاخام سليمان داهري وبرفقته زوجته وولديه، جالباً معه كتاب توراة قديم، قارب عمره على الـ800 عام مكتوب على جلود حيوان، وهو أيّ الحاخام داهري لطالما حلم أن يُحضره معه إلى «إسرائيل». وهذه ليست العملية الأولى، بل سبقها العديد من العمليات كان آخرها في العام 2013، وأيضاً من خلال دولة إقليمية.

وأقرّت صحيفة «معاريف» العبرية بأنّ هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا تضافر الجهود الدولية والإقليمية و«الإسرائيلية»، وبما فيها الفلسطينية في إتمام العملية، وهنا بيت القصيد وما يعنينا منه هو مساهمة الجانب الإقليمي والفلسطيني في تلك العملية، لأنّ الجانب الدولي معلوم، وهي الولايات المتحدة الأميركية، وهذا لا يشكل مفاجأةً، على الرغم من إدانتنا لها. الجانب الإقليمي المتورّط في تلك العملية، من المؤكد أنه فاعل في الميدان اليمني، وهو من يتملك إمكانية الحركة، ويدفع بكلّ قدراته وإمكانية العسكرية من أجل كسر إرادة الأشقاء اليمنيّين لصالح إبقائه محروماً وبائساً. هذا الطرف الإقليمي قد لا تكون دولة بعينها بل مجموعة دول إقليمية ولكن من الواضح أنها فاعلة ومؤثرة، وتستطيع التحرك بأريحية وهي تحاصر اليمن في الجو والبحر. وقد أماطت اللثام منذ الحرب على اليمن عن مجموعة من الخطوات في مجال التعاون وزيادة وتيرة التطبيع السياسي والاقتصادي وحتى الأمني، وليس آخرها لقاءات وتصريحات قادة سعوديين، أو ما صرّح به قائد شرطة الإمارات السابق ضاحي خلفان، الذي دعا إلى عدم قيام دولة فلسطينية، وضمّ «إسرائيل» إلى الجامعة العربية. وهذا ما تؤكده صحيفة «معاريف» العبرية، التي أوردت أنّ السعودية قد قدّمت التسهيلات المطلوبة لإنجاح عملية تهريب هذه المجموعة، التي استمرّت قرابة العام ورافقهم خلالها عدد من «الإسرائيليين» من الواضح أنهم من جهاز الموساد لتأمين حمايتهم.

وفي السياق اعترفت مصادر أردنية بانتقال هؤلاء اليهود عبر الأردن، ولكنها عمدت إلى التقليل من وقع عملية تهريب هؤلاء اليهود في قولها: «عملية ترحيل 17 يمنياً يهودياً تمّت عبر رحلة جوية حطت في مطار عمّان الدولي، وجرى نقلهم من هناك الى داخل إسرائيل»، مضيفة تلك المصادر إنّ «جوازات السفر تعطى بناء على جنسيات الأشخاص وليس ديانتهم»، أيّ أنّ السلطات الأردنية تعاملت مع هؤلاء كمواطنين يمنيين بغضّ النظر عن ديانتهم.

وتأتي الرسالة التي وجهها السفير الفلسطيني السابق، إلى رئيس السلطة الفلسطينية، والتي يتهم فيها مباشرة جهاز المخابرات الفلسطينية، بتقديم الخدمات والتسهيلات الضرورية للكيان «الإسرائيلي»، عبر المساعدة في استجلاب اليهود اليمنيين الذين كشفت عن وصولهم صحيفة «معاريف»، لتكشف مدى تورّط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وتمثل الصدمة الكبيرة لجمهور الانتفاضة وسائر الجموع الفلسطينية. وكان السفير أبو الخير قد نشر فحوى رسالته على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به يوم الثاني والعشرين من آذار الحالي. ويعدّ الكشف عن الرسالة فضيحة سياسية كبرى ستترك من التداعيات الشيء الكثير على الساحة الوطنية الفلسطينية في حال أنّ الرسالة فعلاً قد وصلت إلى رئيس السلطة، وصحّ ما فيها من معلومات، لم تخل من توجيه السفير أبو الخير اتهامه حتى إلى رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس ورئيس المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج. وأورد السفير خير الدين عبد الرحمن في رسالته جزءاً من تصريح رئيس مجلس محافظي الوكالة اليهودية قال فيه: «الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أظهر مدى شجاعته ولم يتوان عن تلبية طلب الوكالة بتقديم المساعدة، وذلك من خلال أوامره لضباط مخابراته العاملين في اليمن والطلب منهم بتقديم أقصى ما يمكنهم لإنجاح عملية إنقاذ هؤلاء اليهود اليمنيين من ويلات الحرب الأهلية هناك، حيث قدّموا دعماً استخبارياً ولوجستياً لانجاح العملية».

وختم أبو الخير رسالته بالقول: «إنّ ذلك يشكل خرقاً خطيراً، وتجاوزاً للمحرّمات الوطنية والدينية والأخلاقية تجاه شعبنا. وإنّ الإسهام في استجلاب مزيد من الغزاة لتعزيز اغتصاب وطننا انحراف بالغ الخطورة يستدعى التحقيق والمساءلة، ولا بدّ منهما ذات يوم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى