الأسد: تدمر عزّزت المسار السياسي… وواشنطن تُشيد… والمعلم في الجزائر رعد وحردان إلى النسبية… والحريري إلى موسكو دون موعد مع بوتين
كتب المحرّر السياسي
فيما انتهت أزمة الطائرة المصرية المخطوفة في قبرص بنتيجة عدم وجود خاطف، كانت المشاورات الإقليمية الدولية تتواصل وتتسارع في ضوء تسارع روزنامة الأحداث المرتبطة بالمنطقة، وخصوصاً ما يتصل منها باتضاح معنى التزامن بين إقلاع قطار التسويات في كل من سوريا واليمن وبنسختين متطابقتين، وتبلور إطار عملاني للحرب على الإرهاب صار حاضراً كمشروع واقعي لترجمة مفهوم الحرب على الإرهاب، خصوصاً بعد السعي الغربي لتسليط الضوء حصراً على ما يطال تنظيم داعش منه. وجاءت الخيبات المحققة على أيدي الحكومات والقوى المصطفة ضمن الحلف الذي تقوده واشنطن لتجعل فرصة تصوير العلة بحجم تعقيد المهمة، وتقدم الحل السياسي في سورية كشرط للنجاح في تحقيق تقدم في هذه الحرب، وربط هذا التقدم بتنازلات سورية سيادية تبدأ من رئاسة الجمهورية وتنتهي بوضع سوريا تحت الفصل السابع لتأمين تشكيل ما سُمّي بهيئة الحكم الانتقالي، لتأتي معركة الجيش السوري في تدمر والنصر النظيف المحقق في زمن قياسي وكلفة مفاجئة، وتقول إن الإمكانية متاحة، وإن الحل السياسي يساعد ويزخم فرصها بقدر ما يحترم المعايير السيادية للدولة السورية، ويصطف وراء ما أظهرته من قدرة على الإنجاز حيث فشل الآخرون، ويتضح معنى التموضع الروسي الفعال في هذه الحرب وهذا الإنجاز، كما المكانة الحاسمة لكل من الرئيس السوري والجيش السوري في رسم خارطة الحرب، لتصير مقاربة الحل السياسي وفقاً للمعادلة التي رسمها الرئيس السوري بشار الأسد في حواره مع وكالة سبوتنيك الروسية وتأكيده أن الانتصار في تدمر يعزز فرص الحل السياسي لا العكس، لأن مَن ينتصر مؤمن بالحل السياسي، بينما الانتصار سيسقط رهانات المعرقلين خصوصاً في السعودية وتركيا.
على ضفتين متقابلتين برزت عمليات التلقف للتحول الذي حملته تدمر، فالرئيس التركي رجب أردوغان استغل مناسبة انعقاد قمة دولية للأمن النووي في واشنطن لا تهم تركيا ولا تعنيها كثيراً، ليسعى للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما دون دعوة رسمية، وهو يعترف بذلك مخففاً من وطأة بيان البيت البيض أن اللقاء غير رسمي، بالقول إن الدعوة ليست مهمة بل اللقاء هو المهم، بينما سافر الرئيس سعد الحريري إلى موسكو فيما قيل إنها رسالة سعودية تسعى لاستكشاف موازٍ يريده الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل حزم حقائبه لقمة سعودية روسية، فيما الحريري لم يحصل على جواب لموعد طلبه لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مكتفياً بلقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لما أسمته مصادر مقربة من الحريري باستكشاف المناخات الدولية الجديدة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى موسكو ولقاءاته الهامة فيها.
على ضفة مقابلة لضفة المرتبكين في مرحلة ما بعد تدمر، كانت وزارة الخارجية الأميركية تصدر بياناً رسمياً للإشادة بإنجاز الجيش السوري في تدمر، فيما كانت الجزائر تسجل السابقة العربية الثانية بعد سلطنة عُمان فتستقبل وزير الخارجية السورية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد تلبية لدعوة رسمية جزائرية تكسر قرار الجامعة العربية المتخذ قبل أربعة أعوام بقطع العلاقات مع سورية، فالجزائر كما عُمان رغم عدم تقيّدهما بالقرار، لم تتخذا قرار الدعوة الرسمية ومثلهما العراق حرصا على عدم إغضاب الغرب وعلى رأسه أميركا، طالما السعودية لم يتغير ميزان الغضب لديها من أي مسعى للتقارب مع دمشق، ليصير التفسير الوحيد للتوقيت هو تلقي إشارات غربية وأميركية، خصوصاً ترفع الحظر عن تطبيع العلاقة مع الحكومة السورية وخاصة بعدما كانت رسالة لقاء مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا موغريني برئيس الوفد السوري الرسمي إلى محادثات جنيف السفير بشار الجعفري، واضحة في هذا الاتجاه.
في لبنان الذي يستعد لاستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في إطار الزيارات الاستكشافية المرشحة للتزايد، تأجل موعد انعقاد هيئة الحوار اليوم بسبب وفاة والدة رئيس الحكومة تمام سلام، بينما كان مقرراً أن يكون البند الرئيسي على جدول أعمالها قانون الانتخابات النيابية الذي وضع سقفه اللقاء القيادي بين حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، في لقاء ترأسه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس الحزب النائب أسعد حردان، حيث كان التفاهم كاملاً على التمسك بقانون انتخابي يعتمد النسبية ولبنان دائرة واحدة.
الحريري لن يحظى بلقاء بوتين
تبدد الرهان المفتعَل عن موعد إنهاء الفراغ الرئاسي في نيسان المقبل، فما بعد تدمر ليس كما قبلها لبنانياً وإقليمياً، والاتصالات واللقاءات المنتظر أن يعقدها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته لبنان في 16 من نيسان المقبل مع القيادات السياسية ضمن جولة له في المنطقة لن تخرج بأي جديد، بالتزامن مع زيارة للممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني إلى طهران بعد زيارتها اللبنانية الأسبوع الفائت. فالموقف الإيراني لم يتغير، أما محطة الرئيس سعد الحريري الروسية للبحث في الاستحقاق الرئاسي فهي لا تحظى باهتمام الروس أنفسهم.
ويؤكد مصدر بارز لـ«البناء» «أن الحريري لن يحظى بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا لم يكن هناك من جديد سعودي يحمله معه»، مشيراً إلى «أن مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان يرتّب له لقاء مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف»، لافتاً إلى «أن رئيس تيار المستقبل يحاول توسيط الروس نقل وجهة نظره إلى الآخر، خصوصاً إلى الإيرانيين مع علمه أن شيئاً لن يتبدل لا سيما أن الدور الروسي بقي محافظاً على مسافة متوازنة من جميع الأطراف اللبنانية، فموسكو تجنبت التورط في الألاعيب السياسية اللبنانية، وحتى إشعار آخر لن تتدخّل في مسألة لبنانية تدرك خصوصيتها السورية الإيرانية واللبنانية، وإبداء رأيها يبقى ضمن المعايير العامة التي لم تصل إلى حدود التموضع في تبني وجهة نظر أي من الأفرقاء السياسيين».
وأكدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «زيارة الحريري إلى موسكو زيارة عادية واستطلاعية ومقررة منذ فترة ومنسقة مع القيادة الروسية والمسؤولين الروس وتصب في خانة الاطلاع على ما يجري في لبنان والمنطقة، وفي مقدمها موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان». وشددت المصادر على «أن الحريري سيطلب من المسؤولين الروس الضغط على إيران وسورية ليضغطان بدورهما على حزب الله لتسهيل انتخاب الرئيس».
باريس تتحرّك في الوقت الضائع
وعلى صعيد زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة، يربط مصدر سياسي في حديث لـ«البناء» بينها وبين زيارة هولاند إلى الجمهورية الإسلامية العام الماضي والرهانات الفرنسية الخائبة على كل المراحل الماضية والمواعيد التي حددت لإتمام الاستحقاق الرئاسي»، ويشير إلى «أن باريس تتحرك في الوقت الضائع، فالروسي يربح في سورية مع حلفائه، والموقف الإيراني معروف بأنه لن يتدخل في الشأن الرئاسي في لبنان ولا يضغط على حزب الله في هذا الشأن أو في أي شأن آخر، وهذا ما أكد عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة، عندما تحدث عن لقائه بالرئيس حسن روحاني». ويشير المصدر إلى «أن زيارة هولاند لن تكون أهم من زيارة رئيس مجلس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى لبنان، فهي تأتي في لحظة وهن أوروبي بشكل عام وفرنسي بشكل خاص». ويلفت المصدر إلى أن فرنسا مكلفة نظرياً من قبل الولايات المتحدة بالملف الرئاسي، إلا أن سياستها في المنطقة ومكابرتها الفجة من الحرب على الإرهاب ومن الأزمة السورية، تقطعان عليها الطريق للعب أي دور في الملف الرئاسي». ويؤكد المصدر أن «الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن تحصل مهما نجح الخارج في التدخل من دون حزب الله الذي وبحسب الرئيس الحريري نفسه، يملك حق الفيتو رئاسياً».
وكان من المتوقع أن تُعقد اليوم، طاولة الحوار الوطني، لكن تم تأجيلها بسبب وفاة والدة الرئيس سلام السيدة تميمة سلام، فأرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة الحوار التي كانت مقررة اليوم، إلى موعد لاحق.
و كان متوقعاً أن يحضر القانون الانتخابي، كأبرز موضوع تتناوله جلسة الحوار حين انعقادها، بصيغة التقرير الذي رفعه منسق اللجنة المكلفة دراسة القانون جورج عدوان إلى الرئيس بري الأسبوع الفائت لكي يأخذ المقتضى اللازم. وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» «أن الرئيس بري يحاول أن ينقل الحوار الوطني من الرتابة التي عكسها ملف الرئاسة الذي لا يزال حله بلا أفق، بوضع قانون الانتخاب على جدول الأعمال، وهذا يشكل نقلة نوعية في الشكل، لكن الأهمية تكمن في تكريس هذه النقلة النوعية من الشكل إلى المضمون، بموافقة جميع المتحاورين الدخول في عمق أزمة قانون الانتخاب، لا سيما أن الرئاسة تبقى أولوية الحريري ممثلاً برئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على طاولة الحوار من جهة، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، لكونهما المتضررين الكبيرين من مجرد طرح قانون الانتخاب، من دون البحث في النسبية». وتشير المصادر إلى «أن قانون الانتخاب على أساس النسبية يشكل عنواناً أساسياً في خطابات الأمين العام لحزب الله والقوى المعنية الحليفة وبالأخص الحزب السوري القومي الاجتماعي والتيار الوطني الحر بصفته مدخلاً للتغيير».
رعد وحردان توافق إزاء القضايا الوطنية
وفي سياق متصل، أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بعد لقائهما في مركز «القومي» أمس، التوافق التامّ في وجهات النظر إزاء القضايا الوطنية والتي هي محلّ حوار ساخن بين المكوّنات اللبنانية، سواء على الصعيد السياسي الذي يتعلق بموضوع رئاسة الجمهورية، قانون الانتخاب، الحكومة، وتفعيل عمل مجلس النيابي، وكذلك على الصعيد الأمني المتصل بالتهديدات «الإسرائيلية» والإمكانات الجاهزة، على أعلى المستويات لمواجهة أيّ حماقة «إسرائيلية».
ورأى حردان أن الاستقرار في لبنان وتعزيز الوحدة الوطنية، لا يتمّ بشكل سليم وصحيح إلا بانتظام عمل المؤسسات، من رئاسة الجمهورية إلى تفعيل المجلس النيابي، ليأخذ دوره تشريعياً وعلى كلّ الصعد، وتفعيل دور الحكومة، لافتاً إلى «أن طاولة الحوار تناقش جدول أعمال فيه كلّ العناوين، التي تشكل سلة كاملة متكاملة. وقد تمّ الحديث سابقاً عن مواصفات الرئيس، وهناك نقاش لإنجاز هذا الموضوع، ومن الضروري أن يكون هناك قانون انتخابات يعتمد لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية، وأن يُقبل الجميع على هذا الاتجاه الإصلاحي الحقيقي.
وأكد تكتل التغيير والإصلاح عقب اجتماعه الأسبوعي أمس، برئاسة العماد ميشال عون أن لا تشريع طالما أن الميثاق غير مطبق أو أنه يتم تغييبه، وهذا الأمر الأخطر، فالميثاق يعني ميثاقية النظام والتمثيل النيابي والموقع الرئاسي في ضوء الصيغة اللبنانية الفريدة». وأشارت مصادر وزارية في التكتل لـ«البناء» إلى اجتماعات تحصل أسبوعياً بين نواب القوات والتيار الوطني الحر بعيدة عن الإعلام لتنسيق المواقف حيال الجلسة التشريعية مع اشتراطهما حضور أي جلسة بوضع قانون الانتخاب بنداً أول على جدول الأعمال، واستحقاق الانتخابات البلدية المرتقبة، مشيرة إلى «أن لا أحد متحمّس للنزول إلى الشارع في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وأن هذا الأمر يتم درسه من مختلف جوانبه آخذين في الاعتبار عوامل عدة».
«أمن الدولة» البند 65 في جدول مجلس الوزراء
إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء في العاشرة من قبل ظهر غد جلسة عادية في السراي، للبحث في جدول أعمال يضمّ 120 بنداً، أبرزها البند 65 المتصل بـ«تنظيم المديرية العامة لأمن الدولة» ما يدل على عدم إيجاد حل له بعد، إضافة إلى بنود عادية مالية وإدارية وأبرزها «البند 81 المتعلق بعرض وزارة الطاقة لموضوع استمداد النازحين السوريين الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة من دون مسوّغ شرعي، وأخرى تتصل بترميم بعض الطرق ونقل اعتمادات من الخزينة العامة إلى بعض المؤسسات والوزارات وفق القاعدة الإثنتي عشرية وعمليات شراء بالتراضي لبعض المؤسسات العسكرية والأمنية. كما تحضر زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان من خارج جدول الأعمال في كلمة الرئيس تمام سلام.
وعلمت «البناء» من مصادر وزارية أن «لا تصعيد من المكونات المسيحية في الحكومة، فنحن ننتظر جواباً وتفسيراً من رئيس الحكومة عن حجب وزير المال علي حسن خليل المال عن مؤسسة أمنية من دون أي سبب منطقي»، مستغربة كيف يُعطى القائد الأعلى لمؤسسة عسكرية ذات مسؤوليات نائبه، من دون احترام التراتبية». ورجّحت المصادر الوصول في الساعات المقبلة التي تفصل عن موعد الجلسة إلى صيغة تقضي بإنشاء مجلس قيادة للجهاز يختاره المدير العام دون سواه على غرار مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وقوى الأمن العام».
قرعة يتجاوز القانون
وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إن «السجال حول ملف جهاز أمن الدولة هو خلاف سياسي وليس قانونياً أو إدارياً وسببه أن المدير العام الحالي جورج قرعة يريد تجاوز القانون ويرفض إعطاء أي صلاحيات لنائب المدير العام».
ولفتت المصادر إلى أن «أمن الدولة هو الجهاز الوحيد الذي عُيّن له نائب مدير بعكس جهازي قوى الأمن الداخلي والأمن العام، وبالتالي القانون يعطي نائب المدير العام صلاحيات».
واستبعدت المصادر «توصل المعنيين إلى تسوية لهذا الملف في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، بسبب استمرار الخلاف السياسي حوله»، موضحة أن «جهاز أمن الدولة من أهم الأجهزة الأمنية إذا ما تم تفعيله وتحويل الأموال له من وزارة المالية وتدخل صلاحياته في إطار الأمن الشامل للدولة وأمن الإدارة والقضاء والعمل والإنتاج وكل ما له علاقة بالدولة».
إلى ذلك علقت الأحزاب المسيحية بالتشاور مع البطريرك الماروني بشارة الراعي تحرّكاتها المقررة احتجاجاً على استبدال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق رئيس قسم سيارات الشحن والأوتوبيس الخصوصيّة في دائرة التسجيل – مصلحة تسجيل السيارات والآليات التابعة لهيئة إدارة السير والآليات والمركبات في الدكوانة بشارة جبران بمحمود بركات، إلى حين عودة الأخير الموجود خارج البلاد، والاجتماع معه ليُبنى على الشيء مقتضاه.