استدعاء الحريري إلى موسكو

روزانا رمّال

يحرص الحريري جيداً على انتقاء عباراته قبل أن يهم بتلبية دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى موسكو التي تسمّى غالباً استدعاءً لدى الحديث عن فوارق بين الأوزان والأحجام والقوى المقصودة وعلى هذا الأساس تبدو روسيا مهتمة.

واحد من ابرز الملفات المطروحة بالمنطقة كتكملة للتسويات المقبلة هي ملف الرئاسة اللبنانية، وهذه الدعوة الروسية ليست إلا تاكيداً رسمياً للحريري أن لروسيا دوراً مقبلاً في لبنان الذي يعتبر واحداً مما تمّ الاتفاق عليه مع الأميركيين أي أنه يتبع بالحساب السياسي لما يفترض أن يقع على كل المحور الروسي الإيراني والسوري المنتصر على الإرهاب والذي لم يسقط في فخ الرغبات الغربية. سمع الحريري جيداً ووفده المؤلف من وزير الداخلية نهاد المشنوق ومستشاره غطاس خوري ومدير مكتبه نادر الحريري رغبة روسيا بالحل، عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف، وسمع أيضاً رغبتها بتعاون رسمي لبناني في مجال مكافحة الإرهاب وأنها العملية الأكثر أهمية بالنسبة للروس. وفي هذا الإطار أكد الحريري استعداده للتعاون في المجال العسكري بين لبنان وروسيا.

لم يذهب الحريري كي يشترط على حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد الاستغناء عنه، فهو يعرف مدى صعوبة هذا الكلام وإن كرره قبل مغادرته في نوع واضح من الاسترضاء للسعوديين المحاطين بالزيارة أصلاً، فتشديده على أن سورية يجب أن تبقى دولة موحدة، وأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل النهائي للأزمة فيها ليس إلا محاولة إظهار أن الحريري وفريقه السياسي الإقليمي لم يخضع حتى الساعة للمشيئة الروسية، بالرغم من الإقرار بأهمية التعاون معها.

التمس الحريري التمسك الروسي بالرئيس الأسد وبأن المباحثات حول مصيره لم تعد مطروحة حول الطاولة بل إنه قد تخطاها ليشمل شكل الحكومة السورية الجديدة ومفهومها فيخرج ويقول «موقفنا واضح في موضوع الرئيس السوري بشار الأسد، وهم كذلك أي الروس موقفهم واضح، ولكن الحمد لله كانت زيارة جيدة، وإن شاء الله نستكملها ببعض اللقاءات». أدرك الحريري أن أي لقاءات مقبلة مع الروس لن تكون خارج هذا المنطق أو الخط الأحمر الذي رسمته في إطار التعاون مع لبنان أي أن أي رئيس حكومة مقبل ورئيس جمهورية عليه أن يعرف أن مصيره هو التعاون مع ما يقرره الشعب السوري في انتخابات تُجرى بعد الدستور تعرف روسيا بتقديرها أن للرئيس السوري حصة الأسد فيها.

زيارة الحريري حملت مؤشرات عديدة أبرزت إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التوصل إلى حل سياسي في سورية، حسب الحريري الذي أكد أن هناك حلاً سياسياً مقبلاً إلى سورية، وهذا ما كان قد لمسه من اجتماعه بسيرغي لافروف الذي استدعى الحريري على هذا الأساس.

لم يكن مطروحاً قبل سنوات الخيار السياسي بالنسبة لفريق الحريري الإقليمي والدولي، وعلى أن هذا الخيار وحتمية التوصل لحل نهائي قريباً بات محسوماً بين واشنطن وموسكو، فإن هذا سيحتّم أيضاً على لبنان أن ينسجم مع هذا الوضع الجديد ويحضر لجولات جدية وحركة سياسية حاسمة باتجاه الملف الرئاسي بالأشهر المقبلة، لكن هذه المرة بمباركة روسية.

أرادت روسيا إطلاع الحريري على المتغير الجديد بالنسبة لملف الرئاسة اللبنانية والتي أصبحت وفق اتفاق أميركي روسي شامل إحدى مهمات فريق لافروف السياسي وعلى هذا الأساس أعلن الحريري استعداده لتقبل الدور الروسي في لبنان آملاً تفعيله، حيث لا خيار آخر مثمناً دور روسيا في المنطقة. وهو أحد أشكال التسليم بالهزيمة الأميركية فيها وما يليها من تأثير على فريق واشنطن في لبنان الذي يشعر منذ فترة غير قليلة بالتجاهل الكبير.

المنطق الروسي في مخاطبة الحريري أثناء الاجتماع بلافروف تمثل بوضع النقاط على الحروف لجهة حسم التعجيل بالحلول. ومما لا شك فيه أن لهذه الزيارة دفعة خاصة على صعيد الملف الرئاسي في لبنان الذي وضع الحريري أمام خيار التعاطي مع الروس وفق حل واحد لا خيار بديل سواه كرئيس أكبر كتلة نيابية بمجلس النواب الحالي إذا كان مهتماً لتروس مجلس الوزراء مجدداً. وهو إرضاء حلفاء حزب الله الذي كان قد بدأها الحريري منذ اشهر بترشيح فرنجية كمقدمة للاعتراف بالتسليم لهذا المنطق مع السعوديين.

زيارة الحريري إلى روسيا التي تمت بموافقة سعودية كاملة تشير إلى أن زيارة الملك سلمان إلى موسكو لم تعد بعيدة وفق الجدول الزمني المكثف لسير الاجتماعات الأميركية والروسية التي تجسدت بلقاءات متتالية بين كيري ولافروف، وآخرها بين كيري وبوتين والتي إذا كانت تعكس شيئاً في الشكل فهو الجدية في تسريع سير العملية السياسية في المنطقة، خصوصاً ان الملف السوري ليس وحده ما يشكل قلقاً أو ضغطاً باتجاه الحل بل الحرب في اليمن التي أصبح من الضروري إنهاؤها وفق الرغبة السعودية، بترجمة إعلانها عن نية الامتثال لإيقاف عمليات التحالف العربي فيها.

تستدعي روسيا الحريري إلى موسكو لتطلعه على ضرورة أخذ العلم بالمرحلة المقبلة وبدور حلفائها في لبنان فيها، وفق مفهوم تعزيز قدرات القوى المكافحة للإرهاب، خصوصاً حزب الله ودعم الجيش اللبناني بعدما أصبح مشروعها الأهم بالمنطقة. وإذا كان الحريري واثقاً من قدرته على التحدّي فهو لن يكون كذلك في ما قد يشكل خطراً على وصوله لرئاسة الحكومة مجدداً، وبالتالي فإن عملية استرضاء حزب الله لم تعد ترفاً أو تعاوناً يقدمه الحريري بل مصلحة لا مفرّ منها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى