يوم الأرض للمرة الأربعين: فلسطين لن تموت رغم أنف النظام العربي

ناصر قنديل

– خلال أربعين سنة وبصورة متواصلة دون توقف، لم ينفكّ الشعب الفلسطيني من الجليل إلى النقب يحيي يوم الأرض في الثلاثين من آذار كلّ عام، وخلال أربعين عاماً لم يكن الهدف من الإحياء تخليد ذكرى الشهداء الذين سقطوا احتجاجاً على مصادرات الأراضي التي انتفض الشعب الفلسطيني في وجهها قبل أربعين سنة، وكانت أولى انتفاضات الأراضي المحتلة منذ العام 1948، بل أيضاً لتأكيد التمسك بالقضية والهوية ورمزية اليوم الجامع لأبناء الأرض الفلسطينية الواحدة، وتأكيد التواصل بين سكان الأراضي المحتلة من الفلسطينيين بين البحر والنهر مع الشتات الموزع على بلدان الانتشار الذين كانوا وبقوا أوفياء لإحياء يوم الأرض.

– مرّت على القضية الفلسطينية مشاريع سياسية لا تعدّ ولا تحصى، وكلها تحت عنوان التفاوض مع الاحتلال والسعي لبلوغ حلّ سياسي بنده الرئيس التخلي عن الأراضي المحتلة منذ نشوء الكيان المحتلّ في العام 1948 والمساومة على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وهما البندان اللذان تشكلت على أساسهما القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن الماضي حتى بروز مشاريع التسوية بعد حرب العام 1967، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية بشعار دولة على الأراضي التي احتلت عام 1967، باعتبار أنّ احتلال هذه الأراضي من نتائج الحروب التي فرضها وجود القضية ولكن استعادتها ليست هي القضية، ولم تتشكل القضية منها يوم كانت ووجدت وبذلت لأجلها التضحيات، سواء من قبل الشعب الفلسطيني أو من قبل الشعوب العربية والإسلامية.

– استرداد الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 مهمة واجبة بالتأكيد، لكنها قانونياً مهمة عربية وليست مهمة فلسطينية، إلا بمقدار كونها أرضاً فلسطينية لا يمكن للفلسطينيين التخلي عن المساهمة في أيّ مسعى لاستردادها، لكن هذا لا يلغي كونها مسؤولية الدول التي سقطت هذه الأراضي تحت الاحتلال وهي في عهدتها، وهي مصر والأردن اللتان لا يحق لهما قانوناً توقيع اتفاقات سلام مع كيان الاحتلال، تحت شعار إنهاء الشق الخاص بكلّ بلد ونسيان العهدة الفلسطينية التي عجزا عن حمايتها وعليهما واجب استردادها حرباً أو سلماً وإعادتها للفلسطينيين دون مطالبتهم بارتضائها بديلاً عن الأرض التي قام الكيان على اغتصابها عام 1948. فكيف وقد تخلوا عن هذه المسؤولية القانونية والأخلاقية والقومية والإنسانية، وبكلّ وقاحة وقفت حكوماتهم ومعها النظام العربي الرسمي والقيادة الرسمية الفلسطينية عند حدود القول بأنه يمكن للعرب التخلي عن مسؤولياتهم باسترداد العهدة الفلسطينية التي أضاعوها، وتوقيع اتفاقات سلام، ومطالبة الفلسطينيين بارتضاء مجاراتهم بالتخلي وتسمية استرداد هذه العهدة مشروعاً عربياً للسلام، مشفوعة بنسيان أصل القضية والمسامحة به للاحتلال، وطرح حق العودة في بازار المساومات، لقاء أن ينجز الفلسطينيون بهذه المقايضة بين نيل حق فلسطيني خانه العرب، وحق مستحق للفلسطينيين ويمكنهم مواصلة النضال لأجله لو قام العرب بواجباتهم القانونية وسلّموا العهدة المسلوبة للفلسطينيين، ليكملوا المشوار منها، فتصير الخيانة مرتين، مرة بالتخلي ومرة بدعوة المقايضة.

– إحياء الفلسطينيين ليوم الأرض بلا توقف يعني إعلاناً صريحاً بالاحتجاج على هاتين الخيانتين العربيتين، ومن ضمنهما شراكة فلسطينية، وإعلان حياة مستمرة لقضية يرفضون نعيها وإعلان وفاتها. وما مرّ من سنوات ومن اتفاقيات سلام مرافقة لها، ومشاريع سلام معطوفة عليها، يعرف الفلسطينيون ويقولون إنها ليست مرفوضة فقط، بل الأهمّ أنها بلا أمل ولا تشغل بالهم، ولا يراهنون عليها ولو بأكذوبة المرحلية، التي يتحدّث بلغتها كثير من المنظّرين والمتفلسفين، الذين يكشف فلاح فلسطيني يعرف الأرض أنهم جهلة لا يفهمون بالتاريخ ولا بالجغرافيا، فكيف يمكن تخيّل أن يرتضي واحد من المؤمنين بالعقيدة الصهيونية المؤسسة على خرافة أرض الميعاد أن يتنازل عن الضفة الغربية وهي أرض الميعاد المزعومة، حيث قامت مملكتا «إسرائيل» و«يهودا»، بينما لم تقم أيّ من ممالك «بني إسرائيل» في الشريط الساحلي الذي يظنّ بعض العرب والفلسطينيين من جماعة «الحكي بالسياسة»، أنها البديل المقبول صهيونياً للانسحاب الموهوم من الضفة الغربية، وخصوصاً الخليل وطولكرم والقدس الشرقية، حيث تاريخ ممالك «بني إسرائيل» وفقاً للزعم العقائدي الذي قام الكيان على أساسه.

– يحيي الفلسطينيون يوم الأرض وليس في بالهم الحديث عن خارطة طريق للتحرير، ولا روزنامة للعودة، ولا جواب على أسئلة السياسة، لأنهم خلافاً للمتعاطين المتخاذلين والخاملين في شؤون السياسة يعلمون أنّ فلسطين قضية أجيال تسلّمها لأجيال، وأنّ موعد التحرير سيحين بلا سابق إنذار، فهو كالطوفان والزلزال سيأتي بلا مقدّمات وإشارات، سيأتي عندما يحين موعده وحسب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى