من هو نبيه بري الفلسطيني؟
ناصر قنديل
– في حوار قبل أسبوع على قناة «المنار» قلت، إن إحدى تعقيدات حرب غزة ستكون عندما ندخل مسار التفاوض الإجابة عن سؤال: من هو نبيه بري الفلسطيني؟ والمقصود من هو المفاوض القادر على التواصل مع البيئة الدولية التقليدية التي تشكل واشنطن محورها، وتثق به قيادة المقاومة، ويملك قدرة التناغم مع أدائها الميداني والتناغم مع مصالحها وصمودها في ابتكارات تفاوضية، تملك الحنكة والذكاء والدهاء والمكر عند الضرورة، وتصل الثقة بينه وبين المقاومين في مثل هذه اللحظة التفاوضية الماكرة إلى حد عدم الوقوع في أفخاخ التشكيك؟
– كان السؤال ولا يزال، وهو يتصدر اليوم الساحتين الإعلامية والسياسية، على رغم أن البعض يضعه في إطار أوسع هو المقارنة بين حالتي المقاومة في فلسطين ولبنان، وهنا لا بد من القول إنه من الظلم للمقاومة في غزة مقارنتها بالتجربة اللبنانية، لتفاوت الظروف في العديد من مجالات المقارنة، فالمقاومة في فلسطين مكونة بصورة رئيسية من فصيلي حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة لباقي الفصائل، تسلم عسكرياً بدور الفصيلين الرئيسيين، لا تملك بسبب ظروف نشأتها التاريخية والكثير من العوامل وضعاً يسمح بالمقارنة المنصفة.
– في لبنان مقاومة تمكنت من الحصول على ثقة كل جمهور وقوى خيار المقاومة، لتتسلم درع التثبيت كقوة قائدة بعدما حسمته في الميدان، وهي حزب الله، وعلى رأسها قيادة وضعت وصدقت بوضعها، لخيار المقاومة فوق كل الحسابات والهويات والانتماءات، وتميّزت باللياقة والرقيّ والتواضع في العلاقات السياسية، وهي ميزات تفتقد لمعظمها حركة حماس وهي الحركة الفلسطينية الأبرز في المقاومة، خصوصاً بعدما وقعت في تضييع بوصلة المقاومة في التحالفات والخصومات، على إيقاع ما جرى في سورية ومصر، أو في تحديد أولويات الهوية بين إخوانيتها ومقاومتها.
– في لبنان وضع سياسي وعسكري وجغرافي، منح المقاومة فرصة امتلاك ميزات القدرة على التخزين والبناء والتجهيز والتدريب، وامتلاك قدرات خارقة أنتجت بالاستناد إلى فرادة السياسة والمبادئ الواضحة، قدرة ردع استثنائية وقوة تدخل جعلتها قوة إقليمية يحسب لها الحساب، ففي لبنان بيئة دولة رخوة وانقسام سياسي على خطوط الطوائف والمذاهب، لكن تواضع المقاومة وعقلانيتها وفهمها الناضج لخلفيتها العقائدية الدينية، عناصر مكنتها من جعل فكرة الدولة متمّمة لمشروع المقاومة، على رغم كل الجدال البيزنطي الذي لا ينفك يديره بعض خصومها، لكنهم يضطرون لممارسة عكسه عندما يصيرون في مؤسسات الدولة، بعدما صار مشروع المقاومة عصباً حاكماً لا مجال للتنكر له، فالجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والمؤسسات السياسية بصورة أو بأخرى، غالباً ما تسبح في بحر مشروع المقاومة بينما تضطر المقاومة في فلسطين للسباحة عكس مشروع السلطة، فعليها التصرف في غزة المحررة وكأنها تحت الاحتلال، وفي ضيق الجغرافيا وظلال الانقسام السياسي، تتصرف كأنها في حالة حرب أهلية مستترة، وعليها بناء قدراتها وإعداد بنيتها في ظروف بالغة القساوة وشديدة التعقيد.
– في لبنان دولة جوار واحدة هي سورية، التي تلتزم قياداتها على مدار السنوات التي شهدت مشروع المقاومة خط الصراع مع المشروع الصهيوني، وقد وفرت للمقاومة حائط الدعم الذي تحتاجه ومصدر الإمداد والحضن الذي يحميها في السياسة الخارجية، وكثيراً في الداخل اللبناني من المؤامرات، ففي سورية حافظ الأسد وبشار الأسد، غير مصر التي تنقلت من عهد الرئيس حسني مبارك ومعادلات رفض المقاومة والتورط بسياسات التواطؤ ضدها، إلى عهد الإخوان ومحاولات تحويلها ورقة وظيفية لتسويق مشروع الحكم الإخواني لدى إسرائيل وأميركا والغرب، وصولاً إلى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وموروثات الصراع مع الإخوان التي تورطت حماس بالكثير منها، فصارت المقاومة في أحسن الأحوال خارج حسابات مصر، إن لم تكن ضمن استهدافاتها، سواء لحساب سياسة خارجية قريبة من الغرب بعنوان التعاون مع السعودية، أو بعنوان مصري داخلي يتصل بالموقف من الإخوان ومشروعهم.
– في هذه المناخات المختلفة كلياً عن لبنان، نجحت المقاومة في غزة ببناء قدراتها وإعداد ساحتها وجمهورها لحرب حققت خلالها الإنجازات العظيمة، ما يستحق الإعجاب والإكبار بمعزل عن الحق المشروع في مناقشة المواقف السياسية للقوى التي ترعى هذه المقاومة، وخصوصاً حركة حماس، في إضعاف فرص وجود بيئة إقليمية حاضنة للمقاومة بسبب أولوية هويتها الإخوانية على هويتها المقاومة.
– السؤال هو عن المقاومة التي تنجز في المكان الأصعب وتبدع وتبتكر وتحقق الإعجاز، لماذا لا تقدر أن تتخطى التعقيدات في القدرة السياسية والظروف أفضل مما هي في الميدان العسكري وتعقيداته، والجواب هو بسؤال: أين هو نبيه بري الفلسطيني، فلا قدرة على إنتاج حسن نصرالله الفلسطيني ولا بشار الأسد الفلسطيني، فهل ستنجح محاولات إنتاج نبيه بري الفلسطيني؟ المفاوض الموثوق النبيه المحنك القادر الماكر.