صدى استعادة تدمر وما بعدها يقضّ مضاجع قوى العدوان!

هشام الهبيشان

بدا واضحاً لجميع المتابعين أنّ سلسلة المعارك التي جرت في الآونة الأخيرة في محافظة حمص وتحديدآ في ريفها الجنوبي الشرقي وريفها الشرقي بلدة القريتين ومدينة تدمر، ما هي إلا هدف من سلسلة أهداف إستراتيجية كجزء من خطة ورؤية أكبر لمسار الحسم العسكري الذي يعمل عليه الجيش العربي السوري، والهدف بالاساس هو تطهير الارض السورية من رجس الارهاب العابر للقارات، ومنع تحقيق شروط وإملاءات يحاول بعض القوى الإقليمية الحليفة والشريكة والداعمة للمشروع الصهيو ـ أميركي بالمنطقة فرضها على الدولة السورية.

هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ مدينة تدمر بموقعها الاستراتيجي في وسط سورية تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتلّ أهمية استراتيجية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق وسط سورية وشرقها، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب العراقي شرقاً، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بمدينة دير الزور شرقاً والرقة شمالاً وبعض مناطق سورية جنوباً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمدينة تدمر في خريطة المعارك المقبلة بالشرق والشمال الشرقي والوسط السوري بشكل عام وبمناطق الجنوب السوري بشكل خاص.

اليوم، لا يمكن إنكار أنّ خسارة تنظيم «داعش» لمواقعه المتقدّمة بعمق مدينة تدمر وبعض مناطق ريف حمص الجنوبي الشرقي، سوف تشكل بمجموعها عبئاً ثقيلاً على صانعي قرار الحرب على سورية، ولهذا يسعى الجيش العربي السوري بما لديه من قوات بعموم هذه المناطق سواء بتدمر أو في القريتين لحسم هذه المعارك سريعاً لما تمثله من ضربة قاسمة لمشروع الحرب على سورية.

هنا، يمكن القول إنّ الجيش العربي السوري قد تكيّف مع ظروف معركة تدمر، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة في عموم مناطق محافظة حمص امتداداً على طول السلسلة الممتدة للحدود السورية العراقية وصولاً إلى محافظة دير الزور شرقاً، وها هي طلائع الجيش اليوم تقف على مشارف العمق الاستراتيجي لمدينة تدمر، وهذا ما أثمر مرحلياً مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي التنظيم. هذا الانهيار سيكون ضربة قاصمة للتنظيم الذي يُتوقع أن يخسر وداعميه كنتيجة لتحرير تدمر والقريتين مساحة تقارب 17 من مساحة سورية… وهذه المساحة تعتبر مساحة خالية وهي مناطق البادية التي تمتدّ من مدينة تدمر وصولاً إلى الحدود العراقية – السورية وصولاً إلى المناطق المحيطة بمحافظة دير الزور شرقاً.

ويمكن أن نقرأ، وبناء على متغيّرات الساعات الأخيرة والتطور الملموس والنوعي في عمليات الجيش العربي السوري بعموم مناطق مدينة تدمر، أنّ خطط القادة الميدانيين في الجيش اتجهت بالمنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيّف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظتين القيادة العسكرية الميدانية للجيش العربي السوري بمدينة تدمر بمجموعها، أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة عن ضرب خطوط الدفاع الأولى لمسلحي تنظيم داعش ومن ثم التقدم السريع نحو الاشراف المباشر على عمق مدينة تدمر، من خلال تحرير مجموعة قرى وتلال استراتيجية هامة تشرف على عمق المدينة الاستراتيجي، وبهذا يكون الجيش العربي السوري قد أمّن «مرحلياً» أولى مراحل التقدّم باتجاه عمق مدينة تدمر ومنها العمق الاستراتيجي للبادية السورية.

وفي هذه المرحلة، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري على مشارف العمق الاستراتيجي لمدينة تدمر، خصوصاً بعد النجاح الملحوظ بتقطيع أوصال طرق إمداد تنظيم «داعش» بين ريفي حمص الجنوبي الشرقي والشرقي ومحيطهما، وبعد مجموعة انهيارات واسعة في صفوف مسلحي تنظيم «داعش» وآخرها في قرى وبلدات ريف حمص الجنوبي الشرقي القريتين وما حولها ومناطق واسعة من ريفي حمص الشرقي وتدمر وما حولهما. هنا تمكن قراءة الواقع وبشكل منطقي وأكثر واقعية، فعمليات الجيش السريعة والنوعية والخاطفة، شكلت صفعة قوية لتنظيم داعش ولصانعي قرار الحرب على سورية، وهذا ما سينجم عنه في الساعات المقبلة انهيارا كاملا للتنظيم في محيط تدمر، وانكساراً تدريجياً لمنظومة الحرب على سورية.

ختاماً، يبدو أنّ الأكثر وضوحاً اليوم، أنّ منظومة الحرب على سورية ستبدأ بالتهاوي بالتزامن مع تهاوي مسلحي تنظيم «داعش» في ريف حمص الشرقي وصولاً إلى الحدود العراقية السورية شرقاً وصولاً إلى محيط محافظة دير الزور شرقاً، واليوم نرى أنّ هذه المنظومة تعيش فترة ترنّّح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرّض لها المجاميع المسلحة من الشمال إلى الجنوب إلى الشرق السوري، وعلى قاعدة سلسلة انهيار أحجار الدومينو، فاليوم القيادة العسكرية السورية تدير المعركة بحنكة وبحرفية عالية، والأيام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات وستشهد تغيّراً ملموساً وواضحاً في طبيعة المعارك بعموم خرائط المعارك الميدانية في سورية. فالجيش العربي السوري اليوم استعاد زمام المبادرة وانتقل من مرحلة التموضع وبناء خطوط الدفاع إلى مرحلة الهجوم واستعادة الأرض على مختلف بقاع الجغرافيا السورية، ومن هنا سننتظر نتائج وتداعيات تحرير مدينة تدمر، والتي ستعطينا إجابات منطقية وأكثر وضوحاً وواقعية من مجمل التغيّرات التي سنشهدها بالساحة العسكرية بمحافظة حمص بشكل خاص وعموم الساحة العسكرية السورية بشكل عام.

كاتب وناشط سياسي ــ الأردن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى