العراق: حكومة التكنوقراط والأزمة السياسية
حميدي العبدالله
يواجه العراق أزمة سياسية حادّة باتت تربك حربه للقضاء على «داعش». وفي ظلّ هذه الأزمة الحادّة التي عصفت بالمكوّنات التي يفترض أنها تسيّر الدولة، وتوفر الغطاء للقوى العسكرية والأمنية لخوض حرب ناجحة ضدّ «داعش»، كثرت التحدّيات وبات العراق في وضع صعب قد يكون أصعب مما مرّ به، سواء أثناء الاحتلال الأميركي له، أو بعد سيطرة «داعش» على أجزاء واسعة منه.
صعوبة هذا الوضع تأتي من مصدرين رئيسيّين، الأول، غياب وحدة الإرادة السياسية الوطنية التي من شأنها أن تقوّي مناعة وقدرة العراقيين في مواجهة التحدّيات والأخطار، وفي مقدّمتها تحدّي عودة الوصاية الأميركية على العراق تحت ستار الإسهام في الحرب على الإرهاب، وتحدّي الحفاظ على وحدة الأرض والمؤسسات العراقية.
اليوم تتركّز الاهتمامات والمعالجات على قضية الفساد، وكأنها هي القضية المسؤولة عن الأزمات السياسية والحكومية التي تعصف بالعراق.
في الواقع الفساد ليس إلا نتيجة لواقع سياسي محدّد، لكن الأزمة في مكان آخر وطالما أنّ معالجة الأزمة تنطلق اليوم من حصرها بالفساد، حيث شكل اقتراح حكومة التكنوقراط وسيلة لمكافحة الفساد، فإنه يصعب الاستنتاج بأنّ العراق يسير في الاتجاه الصحيح على طريق الخروج من أزماته.
أزمة العراق الحقيقة تكمن في مسألتين أساسيتين، الأولى، عدم وجود إرادة وطنية موحدة، تجمع العراقيين من كلّ المذاهب والأعراق التي تشكل ألوان الطيف المجتمعي في بلاد الرافدين، الثانية، غياب وجود الإرادة الوطنية الواحدة يكمن في تشكل الأحزاب والقوى الفاعلة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، واستقواء بعضها على بعض بالخارج، وهذا هو جذر غياب وحدة الموقف ووحدة الإرادة وفتح أبواب العراق أمام كلّ التدخلات الخارجية، سواء التي تريد الخير للعراق ولشعبه أو التي تسعى للسيطرة والهيمنة.
ما لم تتمّ مقاربة الأزمة انطلاقاً من أسبابها الفعلية، فلن ينجح العراق بتخطي أزماته لا عبر حكومة تكنوقراط ولا عبر حكومة كفاءات.