أما آن لهذا السلطان أن يُلجَم…
سعدالله الخليل
فجأة ودون أية سوابق اندلعت الاشتباكات بين الجيشين الأرميني والأذربيجاني لتتسارع الأحداث وتتفاقم التطورات بين البلدين، إسقاط طائرات ومقتل جنود وانهيار بروتوكول بيشكيك المتعلق بوقف إطلاق النار الموقع في الخامس من أيار عام 1994 بوساطة رابطة الدول المستقلة بين أرمينيا وأذربيجان وسلطات قره باخ الإقليم المتنازع عليه، والذي يعلن استقلالاً ذاتياً لا تعترف به أية دولة في العالم.
بين ليلة وضحاها باتت قضية إقليم قره باخ حديث الأوساط السياسية والشعبية، وهي التي لم تستحوذ يوماً على أيّ مساحة إعلامية، لا بل إنّ الكثير من العاملين في الشأن الإعلامي لا يملكون أدنى اطلاع على تفاصيل النزاع الأرميني الأذربيجاني قبل توتر الأجواء بين البلدين، وهو ما يطرح تساؤلات عن الأسباب والدوافع والتوقيت والدور التركي والأميركي وأبعاد المواجهة مع روسيا التي تعتبر حليفة أرمينيا الأولى.
في الزيارة الأخيرة للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى تركيا أعلن من أنقرة عن حياة جديدة لشعار الأمة الواحدة في دولتين، فكانت أولى نفحات تلك الحياة بالهجوم على إقليم قره باخ، تنفيذاً للمصالح التركية التي تسعى إلى نقل معركتها مع موسكو إلى جبهات جديدة، خاصة أنّ الأشهر الماضية شهدت توالي الزيارات التركية إلى أذربيجان بالتزامن مع حملة تسليح كبيرة مصدرها تركيا وحليفتها القديمة الجديدة «إسرائيل».
قبل أن ينجلي غبار المعارك أطلّ أردوغان برأسه ليعلن ما يدور في الخفاء عن الدور التركي فيه، ويؤكد دعمه اذربيجان حتى النهاية في نزاعها، بل وكعادته أعلن عن صلاته «من أجل انتصار أشقائنا الأذربيجانيين»، لكنه لم يحدّد في أيّ مسجد يرغب بالصلاة في «يوم النصر الأذري المؤزّر». لربما تعلّم من تجربة الرغبة في الصلاة في الجامع الأموي والتي تحوّلت إلى أوهام أو أحلام يقظة.
لدى تركيا ورئيسها سلطان القرن! عشرات الأسباب التي تدفعها لإشعال النزاع الأرميني الأذربيجاني بحيث تضرب عصفورين بحجر واحد تضغط به على روسيا المزهوة بما وصلت إليه خلال السنوات الماضية وقطفت ثماره في المشهد السوري في محاولة للانتقام لكبريائه المكسور على أرض اعتقد يوماً أنها محافظة تركية. فبعد أن قطعت موسكو يد السلطنة عقب إسقاط طائرتها وما حصده أردوغان من لوم أميركي مفاده بأنّ عقوداً من الحرب الباردة بين روسيا وأميركا لم تسقط طائرة، فأيّ خدمة قدّمتها لنا بدفع موسكو لزرع صواريخها «أس 400» على الأراضي والمياه السورية وعلى الضفة الأرمينية، وما حصدته مئوية المجازر العثمانية بحق الأرمن من رأي عالمي داعم للقضية الأرمنية، فإنّ الإنكار التركي لتلك المجازر ومبرّراته القاصرة لم يمكن أنقرة من حصد أية مكاسب بل على العكس زاد من سوداوية الملف الأرمني في التاريخ العثماني، وبالتالي فإنّ ضخّ الحقد بحق أرمينيا محاولة لتصفية جزء من الحساب القديم الحديث بين البلدين.
تبدو واشنطن سعيدة بما يجري وسعيدة أكثر بالورطة الجديدة لحليفها التركي الذي بات يشكل عبئاً عليها. ربما تجد اميركا في التطورات الأخيرة فرصة للمزيد من الملامة بعد أن تحوّلت تركيا إلى حليف لا فائدة منه، وهو ما شعر به السلطان الأكبر خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وطلبه بعد رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما استقباله والاكتفاء بلقاء مقتضب على هامش قمة الأمن النووي.
قبل عقود كتب الكاتب التركي الساخر غزيز نيسن قصة وسام للحمار عبّر فيها السلطان عن امتعاضه من طلب الحمار من السلطان وساماً يليق به لإنجازاته، وحين استفسر السلطان عن إنجازاته، اعتبر الحمار أنه لولا عشرات الحمير لما كان سلطاناً على العرش، فأمر له بالمزيد من العلف بدل الوسام، واليوم ربما يعتقد أردوغان أنه ارتقى إلى مرحلة السيد الأميركي بمجرد تمرير مشاريعه، وبات يبحث عن أوسمة ونياشين، فما كان من السلطان الحقيقي سوى المزيد من ترياق يبقيه على قيد الحياة السياسية لا لمكانته الرفيعة بل لضمان استمرار سياسات واشنطن ولسان حالها يقول: أما آن لمن يعتقد نفسه سلطاناً أن يُلجم؟