القريتين… وسائر القرى السورية
معن حمية
يشكل تحرير مدينة القريتين، إنجازاً مهماً يضاف إلى سلسلة إنجازات الجيش السوري والقوى التي تؤازره، وأهمية الإنجاز، بأنّ القريتين تقع ضمن الجغرافيا التي تشكل قاعدة انطلاق العمليات العسكرية باتجاه دير الزور والرقة، لذلك، فإنّ تحرير مدينة القريتين من تنظيم «داعش»، إنما تمّ بناء على تخطيط دقيق وهادف، وفي سياق العمليات العسكرية التي يُؤسّس عليها لتحقيق إنجازات أكبر وأشمل.
الطريق إلى القريتين، بدأ بتحرير مدينة تدمر قبل أقلّ من أسبوعين، فمدينة تدمر تشكل موقعاً استراتيجياً مهماً، وهي عقدة مواصلات بين العديد من المناطق السورية، ولأهمية موقع تدمر الاستراتيجي فإنّ تحريرها جعل الأنظار مشدودة إلى الرقة ودير الزور باعتبارهما هدفين لعمليات الجيش السوري وحلفائه. وعزز هذا الاعتقاد تحرك مجموعات إرهابية مدعومة من واشنطن وبعض الدول العربية انطلقت من الأردن للسيطرة على منطقة ومعبر التنف الحدودي بين سورية والعراق بهدف قطع الطريق أمام تقدّم الجيش السوري باتجاه تلك المنطقة.
لكن، ما يميّز عمليات الجيش السوري وحلفائه، أنها تتمّ بناء على خطة عسكرية محكمة، وهذه الخطة تقوم على «التحديد والمباغتة»، تحديد الهدف والإعلان عنه، وهذا ما تمّ في بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بعد تحرير تدمر، إذ حدّد البيان وجهة عمليات الجيش باتجاه دير الزور والرقة. و«المباغتة» هي في حالة تحرير مدينة القريتين، وهو ما كان أعلنه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في مواقفه الأخيرة، إذ أشار إلى أنّ تحرير الرقة ودير الزور يمرّ عبر تحرير المناطق المحيطة بتدمر.
وفي هذا السياق، يحرص الجيش السوري في التحضير لتقدّمه باتجاه الأهداف المحدّدة والمعلنة، بأن لا يترك خواصر رخوة تستخدمها المجموعات الإرهابية لإشغاله، وهو بسيطرته على مدينة القريتين يضمن تحرّكاً آمناً باتجاه الأهداف المقبلة، وهذه هي الأهمية الكبيرة لتحرير القريتين من تنظيم «داعش» الإرهابي، وما بعد القريتين هناك قرى عديدة سيعلنها الجيش السوري مناطق محرّرة وآمنة في الآتي من الأيام.
وعليه، فإنّ تحرير القريتين قد يتوازى في الأهمية مع إنجاز تحرير تدمر، ليس من الناحية الاستراتيجية، بل في تأثيراته على القوى الداعمة للمجموعات الإرهابية. فإذا كان تحرير مدينة تدمر قد دفع بالولايات المتحدة وحلفائها إلى تحريك المجموعات التابعة لها من الأردن باتجاه منطقة التنف، فإنّ تحرير مدينة القريتين تزامن مع إعلان مسؤولين أميركيين أنّ إدارتهم تدرس خطة لزيادة عدد القوات الخاصة التي أُرسلت إلى سورية بشكل كبير، ومع ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه سلّم الإدارة الأميركية لائحة تضمّ 1800 عنصر مستعدّون لقتال «داعش». وما تمّ الإعلان عنه أميركياً وتركياً يندرج في سياق سعي الدول الداعمة للإرهاب إلى حجز المواقع والمناطق التي يحتلها «داعش» لمصلحتها قبل تحريرها من قبل الجيش السوري وحلفائه.
الولايات المتحدة ومعها تركيا والسعودية وسائر الدول التي تدعم الإرهاب، هي دول متكافلة ومتضامنة على عدم المسّ بالمنظومة الإرهابية المتمثلة بالمجموعات الإرهابية على اختلاف تسميات هذه المجموعات، وموقع «داعش» بالنسبة لهذه الدول محفوظ ضمن المنظومة الإرهابية وإنْ بأسماء وألقاب مختلفة. وما هو مؤكد أنّ اللائحة التي سلّمها أردوغان للإدارة الأميركية، بالتأكيد تضمّ أسماء عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، إذ يسعى أردوغان جاهداً إلى إلباس هذه العناصر تسمية جديدة، تحقق له هدفين، الهدف الأول هو إبقاء تنظيم «داعش» حياً بهوية مزوّرة، والثاني تمكين «داعش» بنسخته المطوّرة تركياً من إبقاء سيطرته على مناطق سورية عدة، واستخدامه ضدّ الدولة السورية وضدّ الأكراد السوريين. وما يسعى إليه أردوغان، لا يتعارض مع توجّهات الإدارة الأميركية التي تريد أن تبقي سيف الإرهاب مصلتاً على المنطقة. وبالتالي قد يشكل هذا الأمر تخفيفاً من تداعيات «التمرد» التركي على السياسات الأميركية في التعاطي مع الأكراد وإزاء التفاهمات مع روسيا الاتحادية.
ما هو مؤكد أنّ محور دعم الإرهاب، ماضٍ في سياساته، ومواقفه ضدّ الإرهاب هي مواقف لفظية وغير جدية، أملتها التحديات الإرهابية التي تواجه دول الغرب وأوروبا. وما يؤكد الاستمرار في دعم الإرهاب، هو خرق المجموعات الإرهابية لاتفاق الهدنة في ريفي حلب واللاذقية، فهذا الخرق ما كان ليحصل لولا وجود إيعاز من رعاة الإرهاب، وهذا يشكل دليلاً إضافياً على أنّ هؤلاء الرعاة مستمرّون في سياساتهم وممارساتهم العدوانية ضدّ سورية والسوريين، وهم مع كلّ انتصار يحققه الجيش السوري في الميدان، يعمدون إلى التصعيد بهدف التقليل من أهمية إنجازات الجيش.
على أية حال، فإنّ الجيش السوري والقوى التي تؤازره في الحرب على الإرهاب، عازمون على مواصلة العمليات العسكرية للقضاء على الإرهاب، على قاعدة التخطيط الدقيق، وتحت عنوان «القريتين… وسائر القرى السورية».
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي