عندما تعود أميركا لتناور مجدداً بملف الحرب على سورية!
هشام الهبيشان
إنّ استمرار أميركا وحلفائها في حربهم المباشرة وغير المباشرة على سورية، يؤكد بما لا يقبل الشك في أنّ أيّ حديث عن مؤتمرات هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية «جنيف 3» ما هو في النهاية إلا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فأميركا وحلفاؤها في الغرب والمنطقة كانوا وما زالوا يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها بفوضى طويلة تنتهي حسب رؤيتهم بتقسيم سورية. وإلى حين اقتناع أميركا وحلفائها بحلول وقت الحلول للحرب على الدولة السورية ستبقى سورية تدور في فلك الصراع الدموي، إلى أن تقتنع أميركا وحلفاؤها بأنّ مشروعهم الساعي إلى تدمير سورية قد حقق جميع أهدافه، أو أن تقتنع بانهزام مشروعها فوق الأراضي السورية، وإلى ذلك الحين سننظر إلى مسار المعارك على الأرض لتعطينا مؤشرات واضحة عن طبيعة ومسار الحلول المستقبلية للحرب على الدولة السورية، وعلى الشعب السوري الخاسر الوحيد من مسار هذه الحرب المفروضة عليه.
في هذه المرحلة وتحديداً بعد تقدّم الجيش العربي السوري وتحريره مساحات واسعة بريف حمص الشرقي والجنوبي الشرقي «تدمر والقريتين»، لا يمكن الحديث أبداً عن أن أميركا وحلفاءها قد قاموا بإعادة دراسة لاستراتيجيتهم للحرب على سورية، وبدون وجود مؤشرات ميدانية وسياسية توحي بذلك، لا يمكن أبداً الحديث عن مؤشرات لتغيير استراتيجية الأميركيين وحلفائهم للحرب على سورية، فهم اليوم يعودون مجدداً للحديث عن تدريب مَن يسمّونهم بـ«المعارضة المعتدلة» «بعد وقف هذا البرنامج التدريبي، كما أنّ الأميركان اليوم يُعِدّون العدّة لمعارك كبرى سنعيش تفاصيلها قريباً، كما تسرّب وسائل الإعلام الغربية بشمال شرق سورية سيدعمون خلالها ما تسمّى بقوات سورية الديمقراطية في الرقة وما حولها لقطع الطريق على إنجازات الحليفين الروسي والسوري في مناطق شرق وشمال شرق سورية، كما أنّ أميركا وحلفاءها ما زالوا يحتفظون ويناورون بورقة «وفد الرياض» كورقة رابحة، وليس كما يعتقد البعض أنّ وفد الرياض المعارض قد انتهت مدة صلاحيته بالغرب والمنطقة.
كما أنّ أميركا وحلفاءها ما زالوا يمارسون دورهم بالحصار الاقتصادي على الدولة السورية، وما زالوا يسعون لتعطيل أي مسار أو حلّ يضمن تحقيق حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية، فهذه المؤشرات جميعها توحي بأن لا تغيير في استراتيجية أميركا وحلفائها بحربهم على الدولة السورية، ومن هنا فإنّ جميع الأقاويل والتحليلات التي تؤكد حدوث تغيير ما بالموقف الأميركي، ما هي إلا تحليلات فارغة من أي مضمون واقعي.
ومن هنا يبدو واضحاً من خلال تفاصيل ووقائع أحداث الحرب على الدولة السورية، وبالتزامن مع توسّع رقعة المعارك بين تنظيم داعش والجيش العربي السوري على الأرض السورية، يبدو واضحاً اليوم أنّ أميركا وحلفاءها قد عادوا إلى تكرار اسطوانتهم المشروخة نفسها والتي يكرّرونها منذ خمسة أعوام وإلى اليوم، وهو ما عاد وكرّرها مؤخراً المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست «عن رحيل الأسد والانتقال السياسي وأنّ أميركا تدعم ما يسمّى بـ«وفد الرياض»، وهذا ما يدحض بشكل قطعي رهان بعض المحللين والمتابعين الذين تحدّثوا عن صمت واشنطن في الفترة الأخيرة على معظم الأحداث التي تجري بسورية، أنه قبول بسياسة الأمر الواقع، وأنّ واشنطن قد أقرّت بهزيمتها فوق الأراضي السورية، ولكن حقائق الواقع وخفايا ما وراء الكواليس تدحض كلّ هذه التحليلات.
ومن هنا يبدو واضحاً أنّ مجريات الميدان السياسي السوري ومسار المعارك على الأرض لا يوحي أبداً بإمكانية الوصول إلى حلّ سياسي دولي توافقي للحرب على الدولة السورية بسهولة، فما زالت المعارك تدور على الأرض وبقوة وزخم أكبر، ومع دوي وارتفاع صوت هذه المعارك، يمكن القول إنه بهذه المرحلة لا صوت يعلو على مسار الحسم العسكري، من الشمال إلى الجنوب مروراً بالشرق السوري. فالمعارك تسير بعكس عقارب الحلول السياسية، فكلما سمعنا مؤشرات عن حلّ سياسي يأتي من هنا وهناك، نرى حالة من التصعيد العسكري غير المسبوق على مختلف الجبهات السورية المشتعلة، وهذا ما يؤكد حتمية أنّ خيارات الحسم الميداني وميزان القوة بالميدان هو ما سيحسم في النهاية المعركة على الأرض السورية.
ختاماً، في هذه المرحلة تحديداً من الواضح أنّ مؤشرات الأحداث في سورية، تعكس حجم الأهداف المطلوب تحقيقها في سورية ومجموعة من الرهانات الأميركية المتعلقة بكلّ ما يجري فيها. وهي أهداف تتداخل فيها حسابات الواقع المفترض للأحداث الميدانية على الأرض مع الحسابات الأمنية والعسكرية والجيوسياسية للجغرافيا السياسية السورية وموازين القوى في الإقليم مع المصالح والاستراتيجيات للقوى الدولية على اختلاف مسمّياتها، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة وأمن «إسرائيل» والطاقة وجملة مواضيع أخرى. وهذا ما يوحي بمسار تعقيد شائك دخلته تفاصيل الحرب على الدولة السورية، فطرق الحلّ والتسويات في سورية تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية إلى قناعة شاملة بدنوّ وقت الحلول، وما لم تنضج ظروف التسويات الدولية – الإقليمية لا يمكن الحديث عن إمكان فرض حلول في المدى المنظور للحرب على الدولة السورية.