في ماسية الصحافيين المصريين… بأية حال عدتَ يا عيد؟

بشير العدل

بانتهاء شهر آذار/ مارس الماضي، وتحديداً في الحادي والثلاثين منه، تكون نقابتنا العريقة، نقابة الصحافيين المصريين، قد مرّ على تاريخ إنشائها 75 عاماً، والذي شهده العام 1941، وهو التاريخ الذي صدر فيه القانون الرسمي رقم 10 بإنشاء النقابة.

وكثيرة هي المواقف التي خاضتها نقابة الصحافيين ضدّ السلطة عبر تاريخها الذي يمتدّ إلى أربعينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهدت قرار إنشاء النقابة رسمياً، بعد محاولات كانت أغلبها اجتهادية وذاتية من جانب المهمومين بقضايا المهنة، والذين بدأوا النضال مبكراً منذ العقد الأول من القرن الماضي وتحديداً في عام 1909 وما تلاه من سنوات نضال وكفاح، خاضها النقابيون الأوائل أمثال أمين الرافعي وعلي يوسف، اللذين كانا من أوائل الداعين إلى إنشاء نقابة الصحافيين التي لم تكن الحكومات وسلطات الاحتلال البريطاني تعترف بها، حتى تحقق المُراد في أوائل أربعينيات القرن الماضي في الإعلان الرسمي عن إنشاء النقابة.

وفي كلّ موقف كانت تخوضه النقابة ضدّ السلطة، سواء قبل جلاء المستعمر البريطاني أو حتى بعده، كانت تثبت دائماً أنها الأقوى في مواجهة أيّ محاولات للتدخل فيها، واستمدّت قوّتها من قوّة أعضائها وإيمانهم، الذين ناصروا قضاياهم بكلّ ما توافر لديهم من قوة، فكانت إرادة الصحافيين فوق كلّ رغبة أو تدخل للسلطة، وبقوة نقابة الصحافيين تمّ إنقاذها من أن تتحوّل إلى نادٍ للمشروبات كما كان يريدها الرئيس الراحل أنور السادات، واستطاعت النقابة بأعضائها أن تسقط المرشح الحكومي موسى صبري الذي دفع به السادات لتحقيق هذا الغرض، ليفوز من اختاره الأعضاء نقيباً لهم وهو علي الجمال، لتؤكد النقابة أنها ليست نادياً ولن تكون حتى اعترف بها الرئيس السادات وبقوّتها، وأصبحت مصدر تشريع لا تغفل عنه السلطة التشريعية في الدولة أو تتجاهله السلطة التنفيذية.

ولم يكن نشاط نقابة الصحافيين المصريين قاصراً على الداخل فقط، وإنما كان لها الفضل في تدعيم وإنشاء نقابات عربية أخرى ومنظمات دولية، شارك فيها أعضاء بنقابة الصحافيين المصريين، استطاعوا بها أن يناصروا القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، كما حدث في اجتماع هلسنكي عام 1976.

لست هنا بصدد الخوض في تاريخ إنشاء النقابة الذي يحتاج الحديث عنه مساحات أوسع وأوقات أرحب، ولكني آثرت أن أذكر نفسي وزملائي الذين يتشرّفون بعضويتها، والجماعة الصحافية، ومجلس النقابة وأعضاءه بتاريخها وأمجادها، التي ليست غائبة عنهم جميعاً، فلهم الفخر بالانتماء إليها، ومن حقهم السعادة بعراقتها ونضالها من أجل المهنة وأبنائها.

غير أنّ حلو الحديث لا يخلو من شجون أحياناً، وهي التي تستدعيها حالات النسيان، غير العَمْدي، التي تحوّلت إلى أفعال أظنّها غير مقصودة، لكن وقعها وأثرها كان أشدّ ألماً على الأعضاء وعلى المهنة على حدّ سواء.

فالتغني بالماضي وحده ليس كفيلاً باستمرار السعادة، ولكن السعادة الحقيقية في استدعاء نجاح الماضي واستخدام آلياته للتغلب على مشاكل الحاضر حتى يستمرّ النجاح وتتواصل سعادة الأعضاء، ويتزايد فخرهم بانتمائهم للنقابة. وهذا كله مدعاة لهؤلاء المتناسين لتاريخ ونضال النقابة، أن يفكروا ملياً في استعادة الأدوار التي قد تكون سقطت سهواً عن الأداء النقابي، كما عرفناه وورثناه عن أوائل المدافعين عن المهنة وأبنائها.

وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، علينا أن نكاشف نحن الصحافيين أنفسنا ببعض نواحي القصور في الأداء النقابي، ليس اتهاماً، وإنما رغبة في السير على الدرب ذاته من النجاح النقابي الذي سلكه الأوائل.

فبعد مرور 75 عاماً على إنشاء النقابة، يرى البعض أنها تكاد تتحوّل بالفعل إلى نادٍ يشغل الطابق الثامن، الذي أصبح ملتقى للطامحين في عضويتها، وللباحثين عن عمل من أعضائها المتعطلين، وغابت المواقف القوية للنقابة، وتراجع دورها في الدفاع عن حقوق أعضائها في مواجهة السلطات التي تعاقبت على نظام الحكم في الدولة، والتي تسبّبت بسياساتها في بطالة الصحافيين، حتى تحوّلوا عاطلين، في وقت لا تأخذ فيه النقابة أيّ موقف تجاه تلك الأزمة، ولعلّ الجميع يتذكّر قصة هيئة الاستعلامات التي قام بها الرئيس السادات، حينما استبعد أكثر من 27 صحافياً وقام بإحالتهم إلى الهيئة خوفاً من كتاباتهم، فما كان من النقابة إلا أن أبت إلا عودتهم إلى نقابتهم وعملهم، حتى تحقق لها ذلك.

أما الآن فالصحافيون عاطلون ومشرّدون، والنقابة في كلّ شكوى تصل إليها بشأنه تقول إن لا علاقة لها بهذا الأمر، ليتمّ اختزال العمل النقابي في رؤية الكثيرين في مجرد تنظيم الرحلات والمصايف للأعضاء، بجانب مشاريع هزيلة تتمثل في العلاج وصندوق التكافل، وهي مشاريع تعثرت كما فشلت مشاريع أخرى للإسكان، ووقفت النقابة عاجزة عن أن تنقذ أعضاءها من مخاطر البطالة والتشرّد والفصل التعسّفي بالجملة، بل زادت على ذلك أن أسرفت في نظم القيد، حتى أصبح بلا ضوابط عملية، وتدخلت الخواطر والمجاملات فيه، حتى أصبح مخترقاً من الخارج أيضاً، بعد قبول عضوية من لا يعملون في المهنة بشكل مباشر وبدون ضوابط، وأصبحت العضوية فيها أيسر من الانضمام إلى أيّ ناد من النوادي الرياضية المعروفة.

كلّ هذه المشاكل تقدّمنا بها وبمقترحات لحلها في لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، وهي لجنة مستقلة لا تتبع النقابة، والعديد من المشاكل التي تواجه الوسط الصحافي مثل مشاكل الصحف المتوقفة عن الصدور، وتحديداً صحيفة «الأحرار» وهي أول صحيفة معارضة تعرفها مصر بعد التجربة الحزبية الجديدة في سبعينيات القرن الماضي، والتي كان للحكومات المتعاقبة وكذلك النقابة دور كبير في استمرار إغلاقها وتشريد صحافييها وهم من كبار السن، وكلّ ذلك تقدّمت به اللجنة أيضاً وبرؤيتها للحلّ، غير أنّ الأمور للصحيفة وصحافييها وغيرهم أيضاً ما زالت على حالها.. ليتساءل الصحافيون في عيدهم الماسي: عيدٌ بأية حال عدتَ يا عيد؟

كاتب وصحافي مصري

مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى