نقطتان لصالح السعودية في وجه حزب الله؟
روزانا رمّال
يزور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز جمهورية مصر العربية لخمسة أيام في زيارة تأخّرت لأسباب مجهولة، حتى أتت اليوم مترافقة مع ما بدأته السعودية من تقدّم دبلوماسي نحو العملية السلمية في اليمن، ولو بشكل بطيء، لكنه يفسّر النيات باختتام حرب عجزت على مدار سنة عن إيقافها، ليس لأنها غير قادرة على وقف ماكينتها العسكرية، بل لأنها لم تستطع تحقيق هدفها الرئيسي، وهو القضاء على حركة أنصار الله أو إضعافها بما لا يمكّنها من المشاركة نهائياً في الحكم، لأنّ ذلك كان مرفوضاً بالنسبة للرياض التي لم تتعامل لعقود مع فكرة أنّ اليمن قادر على أن يستحوذ على مساحة من العمل السياسي يخرج فيها عن التفرّد السعودي في تحديد مصيره. بالتالي فإنّ تصاعد حركة أنصار الله وغيرها من الحركات التي أفرزتها ثورات «الربيع العربي»، خصوصاً تلك التي تنادي بالقومية أو العلمنة من جهة، أو تلك التي تلتقي مع إيران من جهة أخرى، تشكل أكبر تهديد على هوية الخليج وتوجّهه الفكري والسياسي، فاليمن بالنسبة للسعوديين دولة خليجية استطاعت جذب إيران كقوة إقليمية قادرة على اعتبار أيّ إنجاز سياسي فيها أساساً لانطلاق حملة إصلاح مماثلة في البحرين، وربما بما يتيسّر من الدول الخليجية التي تتوقع تحركات تغيّر الأنظمة أو بعض ما فيها.
لم يكن الموقف المصري تجاه الدخول في الحرب على اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده الرياض عند مستوى التوقع، فمصر فضّلت البقاء خارج دوامة المواقف المتطرفة التي قد تكلفها في المستقبل دفع أثمان ومواقف سياسية باهظة واصطفافاً مرهقاً، خصوصاً مع دول إقليمية ودولية كبرى مثل روسيا وإيران مقابل عدم ضمان تقدّم السعودية نحو هدفها، هذا كله بالإضافة إلى ما ستشكله من إمعان في تعزيز تقديم الحركات الإخوانية في اليمن وتثبيت حضورها مع ما تحويه من اتصالات وعلاقات مع قوى جهادية متطرفة تنافس مع «القاعدة» هناك.
زيارة الملك إلى القاهرة كلفت مصر المشاركة في حملة الضغط على حزب الله التي تقودها المملكة بشكل غير مسبوق انعكس استفزازاً إعلامياً شديد الحساسية على مسامع اللبنانيين من كاريكاتورات إلى إيحاء بخطورة أمنية تحيط بالفرق الإعلامية السعودية، فتمّ إغلاق مكاتب قناة «العربية»، ومن غير المستبعَد التقدّم نحو تقليص الحضور السعودي الدبلوماسي في بيروت.
تقدّم مصر موقفاً مباشراً من حزب الله، لكنه يكاد يكون على أهميته بمثابة تهرّب من التورّط في مكان ما بموقف رسمي يضع القاهرة في خانة اللارجوع. فمع أهمية القرار المتمثل بحجب «المنار» وغيرها من القنوات التي لا تفسّر إلا نية بعدم نقل خطاب السيد حسن نصرالله، ومع أهمية «المنار» وقيمتها، فإن لجوء مصر إلى لعب دور مباشر على صعيد العقوبات المفروضة على حزب الله لم تترجم كما تفترض هالة الحدث، بالتالي فإنّ الإنذار الموجه للمشتركين من القنوات بقمر «نايل سات» بقي ضمن إطار التحذير من دفع الاشتراكات منعاً من خسارة مصر فرصة العودة إلى الوراء.
كان ممكناً إطلاق موقف أكثر وضوحاً ومباشرة ضدّ حزب الله في الجامعة العربية وفي اجتماعات وزراء الخارجية العرب والداخلية واعتبار الحزب تنظيماً إرهابياً، يدرك الرئيس السيسي أنه غير وارد تمريره عند المصريين، وعلى أنّ هذا الهامش هو الذي يتحكّم بالعلاقة بين الرياض والقاهرة، بحيث تبدو النقطة الأولى المسجلة لصالح السعودية قد قدّمتها مصر، ولو أتت بشكل قابل للتعديل، لكنها تعتبر بالنسبة للسعودية نقطة هامة تضعها في مرمى حزب الله ضمن حربها عليه «فالقليل أفضل من اللا شيء عند مصر التي تختلف مع السعودية في كلّ شيء».
في لبنان، فجأة يُعاد الحساب في ما كان ممكناً أن يتحوّل واقعاً يتلقفه اللبنانيون ويتقبّله كحكم صادر عن هيئة قضائية تتمتع بمكانة لا يُستهان بها في أوساطهم بعدما أفرج القضاء العسكري عن الوزير السابق ميشال سماحة حتى استكمال التحقيق بالقضية ومعرفة مصيره، فكان أن بقي بضعة أشهر حراً ثم عاد إلى السجن هذه المرة مع حكم لـ 13 عاماً.
قضية سماحة التي يشوبها الكثير من السياسة في التأويلات والتحقيقات لم تغب عن الاهتمام السعودي هي الأخرى، فوزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان قد تحدّث في معرض سؤاله في وقت سابق عن سحب الهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني وعن أسباب عقاب السلطات الرسمية والأجهزة الأمنية ضمن موجة العقوبات الخليجية على حزب الله، قال: «كيف يمكن أن نرسل مساعدات للجيش اللبناني وهي ستقع بيد حزب الله؟ ثم كيف نثق بدولة قضاؤها بيد حزب الله وهو القضاء الذي أطلق ميشال سماحة؟».
بغضّ النظر عن الحساب القضائي والملف بحدّ ذاته يعتبر الحكم الصادر بحق الوزير السابق سماحة من قبل المحكمة العسكرية واحداً من أبرز ما كانت تصبو إليه المملكة العربية السعودية ضمن إطار ما تعتبره عناوين عريضة لاستهداف النظام السوري في لبنان ومعه حزب الله الذي اتهمته بوضع اليد على القضاء فيه. وبالتالي فإنّ نقطة جديدة تحسب لصالح الرياض في الأسبوع نفسه الذي تتحضّر فيه لمؤتمر جنيف السوري ومعه محادثات الكويت التي تضمّ أنصار الله والفريق الموالي للسعودية.
وعلى الرغم من أنّ الملفين لا يعتدّ بهما لجهة تغيير مسار سياسي أو عسكري ميداني في سورية أو اليمن، إلا انه من غير المستبعَد أن يكونا أحد أوجه تلقف القوى المعنية للمشهد وإنزال السعودية عن أعلى السطح في زمن التوجه نحو الدبلوماسية.