دي ميستورا… مفاوضات جنيف وما بقي من الهدنة!
محمد ح. الحاج
بعد ظهر يوم الأحد الفائت وصل مبعوث الأمم المتحدة السيد ستيفان دي ميستورا إلى دمشق، وعنوان رحلته بحث استئناف المفاوضات في «جنيف 3»، وقد جرى تحديد موعد الثالث عشر من الشهر الحالي ويصادف يوم الانتخابات التشريعية في سورية، فما الذي يحمله السيد دي ميستورا من جديد لم يناقشه مع الوفد الحكومي قبل أيام… أم أنّ الأمر يتعدّى ذلك، ويدرك أنّ الوفد الرسمي الحكومي سيشارك في الانتخابات وقيل إنّ بعض أعضائه مرشحون لعضوية المجلس… وهكذا لن يكون في إمكانهم المشاركة قبل يوم الرابع عشر أو حتى الخامس عشر بعد صدور النتائج.
ما تقدّم به وفد الرياض جرى إعلانه وهو مكرّر ومنشور سابقاً ولا جديد عند هؤلاء، بل لا جديد عند مشغّليهم، وهم ما زالوا يحاولون احتكار تمثيل الشعب السوري رغم انكشاف أمرهم، فالهدنة أسقطت عنهم ورقة التوت ليتبيّن للجميع أن لا ظلّ لهم ولا تأثير على أرض الواقع بالمطلق، وأنهم يراهنون على فصائل لا تدين لهم بولاء حتى في أوساط ما يسمّونه «الجيش الحر» الذي لم يعد يسيطر على أكثر من كيلومترات متناثرة هنا وهناك، وهو مطوّق في مناطق تواجده إما من «داعش» أو من «النصرة»، أو حتى بعض الفصائل التي بايعت «النصرة» أو تسير في ركابها، ومنها الحزب الاسلامي التركستاني، وجند الأقصى أو فصائل تنضوي تحت راية «جيش الفتح» على تعدّد مسمّياتها.
الوفد الذي يمثل الرياض، يعبّر فقط عن مطالب الرياض والحكومة السعودية ولا علاقة له بمطالب السوريين أو مصالحهم المشروعة، وعلى الأرجح لم تكن الهدنة في مصلحته، فقد أعطت نتائج معاكسة تماماً لما تمّ الرهان عليه، حتى التنظيم العسكري الأشدّ قرباً والتصاقاً بالنظام السعودي وعنيت به «جيش الاسلام» لم يكن منسجماً مع نفسه ولم يلتزم بعض من فصائله بالهدنة التي تمّ خرقها أكثر من مرة…
الهدنة التي يجري الحديث عنها في كلّ المحافل، والتأكيد على ضرورة استمراريتها… أين هي، وماذا بقي منها؟
قتال وحرب ضروس على أوسع نطاق في المناطق السورية كافة، من الجنوب في درعا وصولاً إلى الحدود التركية، على مشارف حمص، وفي ريف حماه، وريف اللاذقية، ومحيط حلب من الجهات الأربع، وفي قلب ومحيط إدلب… ويبدو من الصعوبة بمكان معرفة الجزر الصغيرة التي لا تقع فيها اشتباكات، ويقال إنّ فيها فصائل عديدة تلتزم بالهدنة!
القراءة الواقعية لزيارة المبعوث الأممي تدفع إلى الاستنتاج أنه يحمل في جعبته مجموعة من العروض والآراء لأكثر من دولة من دول العالم سواء القريبة أو البعيدة منها المعنية حكماً بالقضية السورية، آراء في كيفية الحلول التي لا بدّ أن تأخذ مصالحها بعين الاعتبار، السعودية، فرنسا، الولايات المتحدة، الناتو بشكل عام، والأرجح أنّ جوهر هذه الآراء يصبّ في خدمة المصلحة الصهيونية، ما يدفع إلى هذا القول الإعلان عن زيارة لرئيس وزراء الكيان العدو إلى موسكو للقاء الرئيس بوتين ومناقشة قضايا عديدة منها القضية السورية، ويبدو أنّ نتنياهو سيحاول إقناع الرئيس بوتين لاتخاذ موقف يسهّل الحصول على تنازلات من الحكومة السورية تخدم مصالحه على المدى البعيد، من ذلك ما يحمله دي ميستورا في جعبته، وقد تسرّب بعض منه في مرحلة سابقة، ولأنّ الموافقة المنتظرة ليست في نطاق صلاحيات الوفد المفاوض في جنيف، أو لأنه رفضها في الأساس، ما دفع بالمبعوث الدولي إلى زيارة دمشق ومحاولة إجراء لقاءات هامة مع أصحاب القرار تحت يافطة بحث استئناف المفاوضات بعد الثالث عشر من نيسان، والتي لا حاجة للبحث فيها إذ أعلن الوفد السوري التزامه بها بعد انتهاء الانتخابات في بلاده قبل مغادرة جنيف.
ليس من مهامّ المبعوث الدولي التأكيد على التزام سورية بمواقف الدول العربية الأخرى انطلاقاً من قاعدة التضامن العربي خصوصاً في ما يتعلق بمسألة السلام في المنطقة وحلّ القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني، وأيضاً فرض السياسات العربية اقليمياً على سورية وتحديد توجهاتها ومن تحالف أو تعادي إلخ… هذا الأمر شأن سيادي يقرّره الشعب السوري ضمن مؤسساته الدستورية وبما يحقق مصالح هذا الشعب ويتماشى مع عقيدته بأنّ القضية الفلسطينية هي قضية سورية وأنّ البوصلة دوماً تشير بهذا الاتجاه، لا انفصام ولا فكاك لسورية وشعبها عن القضية والشعب الفلسطينيين، ولا عن مقاومته أو أية مقاومة بوجه الاحتلال الصهيوني لأيّ جزء من الأرض المحتلة في الجنوب أو الجولان أو الأغوار وعلى مساحة فلسطين كلها، هذه العقيدة تتناقض تماماً مع الالتزامات السرية لبعض الأنظمة العربية التي اعترف أقطاب الصهاينة بأنها وفرت لهم الرعاية والحماية وأنها ما زالت مستمرة وأصبح بعضها يتعامل معها دون خوف أو خجل، وبقيت سورية الحجر العثرة التي لا بدّ من ترويضها وتركيعها.
دي ميستورا يرمي إلى تحقيق مطالب دول متعدّدة منخرطة في العدوان على سورية وإشراك من يمثل هذه الدول في مجلس حكم انتقالي كما يزعمون ولزمن محدود يتكفل بتغيير اتجاه الدفة وتدجين قوى المقاومة وتجريدها ومن ثم فرض الحلول التي ترتأيها هذه الدول بعد أن ضمنت ولاء من تريد الدفع بهم إلى واجهة السلطة والقرار، بعضهم أعلن ذلك على الملأ، وبعضهم بادر بالتواصل مع العدو وإعلان التزامه، وقلة يرفضون الإعلان عن رأيهم محافظين على شعرة معاوية تجاه بعض أبناء الشعب ممّن لا زالوا يعتقدون أنهم يعملون لمصلحة الوطن وأنهم أبرياء مما يُثار حولهم من أقوال البعض يعتبرها مفبركة.
القضية السورية عندما يقال إنّ حلها بأيدي السوريين وحدهم، لا تعطي للمبعوث الأممي حق طرح بند يلزم الحكومة السورية التزام الحوار والطرق التفاوضية حصراً لاستعادة الجولان، وهو ما يتنافى مع الحق الطبيعي والقانوني للشعب السوري المحتلة أراضيه، والسؤال ما علاقة هذا الأمر بالداخل السوري والديمقراطية والحرية وتداول السلطة أو تكافؤ الفرص وعدالة توزيع الدخل والناتج القومي، والتنمية المستدامة إلخ…
قبل إعلان الحرب على سورية قدّم البعض عروضهم على شكل نصائح للقيادة السورية تضمّنت وعوداً غاية في الكرم، الشرط كان فصم العرى مع المقاومة، مع الفلسطينيين، وقف التعاون والتحالف مع ايران، الموافقة على السلام مع العدو، وبعدها لكم ما تشتهون، ويعود لكم الجولان على الملأ ما عدا بضعة أمتار، ولأنّ الموقف السوري مبدئي واستراتيجي ولأنه ذو وجه واحد وليس بوجهين كما مواقف بعض الدول الأخرى فقد كان الرفض المطلق وإلقاء الوعود المعسولة وراء ظهر القيادة متمسكة بموقفها المعبّر عن إرادة غالبية الشعب، بعدها بدأت رحلة العدوان، وتنبّأ البعض بعمر لبقاء «النظام»، شهران، ثلاثة، ستة، سنة…! ولكن قيادة يدعمها الشعب حقيقة، ولها مرتكزاتها وقدراتها وجيشها، وإيمان أبنائها، لا تنهزم، ولا تركع، بل تصمد وهي سجلت أسطورة في الصمود، دخلنا في السنة السادسة مع تحقيق الانتصارات وإلحاق الهزيمة بالقوى التي يدعمها العالم أو أغلب قواه، تسليحاً، وتمويلاً، ومرتزقة، وإعلاماً إلخ… فهل بعد كلّ هذا تعود إلى نقطة الصفر وتوافق على طروحات دي ميستورا التي هي جوهر ما كان مطلوباً قبل العدوان لتوافق عليه بهذه البساطة وكأنّ شيئاً لم يحصل… ليُقال… بعد خراب… الأندرين!
الهدنة ساقطة، والحرب مستمرة، ودي ميستورا إنْ استمرّ على نهجه كمراسل وليس كوسيط فلن يحصد غير الفشل خصوصاً مع الخطاب الخشبي لوفد الرياض وكأنهم أصحاب القرار والباع الطويل على امتداد الأرض السورية… إنهم مجرد ظلّ يتطاول وينحسر عند انتصاف النهار وقد اقترب…