مصر… من الكنانة إلى المهانة!
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لا بأس في كلّ تقارب عربي عربي فيه خير للناس ومنفعة لأمة تبحث عن أمل في صحراء اليأس والبؤس والحروب المدمرة. لكنْ أن يتحوّل التقارب صفقات مشبوهة كصفقة تنازل مصر عن جزيرتَيْ صنافير وتيران لآل سعود، فإنّ ذلك يحتّم علينا أن ننظر في العوامل والتحالفات الجديدة ودور الكيان الصهيوني في صياغتها، وفي ما يُخطط للعرب في مقبل الأيام. في الشكل أظهرت زيارة الملك السعودي السلطة المصرية سلطة متزلّفة تقتات على فضلات موائد آل سعود. وفي الجامعة التي منحت الملك رسالة دكتوراه فخرية، أكّد عمداء الكليات على مزاياه المعرفية والإنسانية وتحدثوا عن فضائله وخصاله حتى كادوا يجعلونه رسولاً جديداً يسنُّ للعرب طريق صلاحهم ونهضتهم.
ولا عجب في أن تحتفي السلطة بأذرعها المختلفة بالملك وهي تأمل من وراء ذلك بالجائزة الدسمة والعطايا الثمينة.
ولنا نحن أن نعتبر الأمر مروّعاً لمصر وتاريخها وشعبها العظيم. فمصر أجلّ وأرفع من أن تُباع وتشترى بأبخس الأثمان.
فلا خير في مال يأتيها عن طريق من روّج للفتنة وأشاع الفساد والقتل في كل من العراق وسورية واليمن. لقد تمّ تحييد مصر سابقاً بــ كامب ديفيد سياسي لتخرج من الصراع مع العدو «الإسرائيلي»، والآن يُراد تحييدها مالياً لتقف موقف المتفرج على المجازر التي يرتكبها آل سعود في اليمن، وعلى الخراب الذي يحلّ بالأمة جراء الفكر الوهابي الأرعن.
جمال عبد الناصر الذي رفض التنازل عن السيادة على جزيرتي صنافير وتيران، ولو لم تكن لديه القدرة على مباشرتها بنحو شامل، ورفض أن يُشترى بالأموال السعودية لقاء التنازل عن كرامة شعبه وشرفه، يعيش بلده واقعاً كالحاً ونزعات انهزامية تتبناها نخبة تحمل راية التسوية مع الكيان الصهيوني، وتوافق على مشروعات العداء مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة في لبنان.
فمصر بعد رحيل جمال عبد الناصر لم تستطع أن تحافظ على إرث القيادة العربية، وأن يكون لها الدور الأبرز في مواجهة المخططات الإسرائيلية، أو تكون قادرة على خلق جو إعلامي كبير يمدُّ الأمة بأسباب الصمود، لا أن تكتم صوت المقاومة وتحجب صورة الحقيقة.
من المؤسف أنّ النخبة في مصر لا تريد أن تفهم حقيقة موقع هذا البلد سياسياً واقتصادياً وروحياً. إنها لا تزال تفضل الاستجداء على الاعتماد على الذات وبناء اقتصاد قوي وسياسة مستقلة. وليت شعري هل كان جمال عبد الناصر يرضى لمصر كل هذا الهوان وهذا التزلف لملوك كان لهم في كل فتنة وحرب أهلية في العالم العربي نصيب؟
هل كان يرضى أن تُغلَق المعابر في وجه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية وكل ثائر ومقاوم يريد استرجاع الأرض السليبة والمقدسات المدنسة.
فوالله خير لمصر أن تجوع من أن يدوسها الصهاينة بأقدامهم، أو أن تقف ذليلة أمام نفط آل سعود.
لا يحسُن بمصر ولا يليق بها أن تنساق إلى هذا الدرك من المهانة، فما ننتظره ونتوقعه أن تعود أرض الكنانة.