سلام: لبنان يلتزم بالإجماع العربي ويرفض كلّ أشكال التوطين
أمل رئيس الحكومة تمام سلام «إنجاز الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن لكي يعود التوازن إلى المؤسسات الدستورية وتستقيم الحياة السياسية في بلدنا ولكي يأتي الرئيس الماروني إلى المحافل الدولية متحدثاً باسم بلد العيش المشترك لبنان».
وطالب سلام في كلمة ألقاها مساء أمس في قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالثة عشرة في اسطنبول «الدول الاسلامية بدعم لبنان بتحمل أعباء النازحين السوريين» مؤكداً «على رفض التوطين» ومشدّداً على «التزام لبنان بالإجماع العربي».
وقال: «اسمحوا لي أن أعبّر عما أشعر به من ألم، لأنني أتحدث من على هذا المنبر باسم لبنان، بديلاً من متحدث أصيل، هو رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ما زال مقعده شاغراً منذ قرابة عامين. إننا نأمل في إنجاز الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، لكي يعود التوازن إلى المؤسسات الدستورية وتستقيم الحياة السياسية في بلدنا، ولكي يأتي الرئيس المسيحي الماروني إلى المحافل الدولية متحدثا باسم بلد العيش المشترك… لبنان».
أضاف: «تنعقد قمتنا هذه وسط تحديات غير مسبوقة تواجه عالمنا الإسلامي، يأتي في طليعتها تحدي الإرهاب الذي ينشر الموت والخراب في بلداننا وخارجها باسم الإسلام، ملحقاً إساءة بالغة بصورة الدين الحنيف، ومتسبباً بموجة من العداء للإسلام والمسلمين في العالم يصعب حصر أضرارها. نحن في لبنان دفعنا ثمناً غالياً في مواجهة هذا الشر، وما زال عدد من أبنائنا العسكريين محتجزا لدى المنظمات الإرهابية. ومع ذلك، فإنّ قواتنا العسكرية وأجهزتنا الأمنية تواصل التصدي للإرهاب في الداخل وعلى الحدود، محققة قدراً عالياً من النجاح، رغم ضعف الإمكانات ومحدوديتها».
وتابع: «يواجه لبنان، بإمكانات محدودة أيضاً، عبئاً هائلا يتمثل في وجود قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري على أراضيه، في ظاهرة غير مسبوقة في العالم إذا ما قيست بمساحة بلدنا وعدد سكانه. لقد سبق أن حذرنا من أنّ عدم توفير المعونة المطلوبة للنازحين وللمجتمع اللبناني المضيف، قد يؤدي ليس فقط إلى مزيد من إضعاف الاقتصاد اللبناني المنهك أصلاً، بل إلى حال من عدم الاستقرار الأمني، لأنّ الفقر والحرمان والبؤس هو المولد الأول للتطرف. إنّ مقتضيات الأخوة والتضامن التي تقع في صلب روحية منظمة التعاون الاسلامي منذ تأسيسها، تفترض أنّ هذا العبء هو أيضاً مسؤولية أخلاقية، يجب أن تساهم الدول الإسلامية جميعا في تحملها».
ودعا سلام «إلى إيلاء هذه المسألة العناية التي تستحق»، مؤكداً «أنّ لبنان يرفض أي شكل من أشكال توطين النازحين السوريين، ويعتبر وجودهم على أراضيه وجوداً موقتاً يجب أن يزول بزوال مسبباته». وقال: «إننا نتابع بكثير من الأمل، الحركة الديبلوماسية الناشطة الرامية إلى إنهاء الحرب في سورية، ونتطلع إلى يوم يتوصل فيه السوريون إلى حلّ سياسي ينهي هذه المأساة، ويحقق طموحات الشعب السوري في العيش بحرية وكرامة في دولة سيدة موحدة».
وأضاف: «تشهد المنطقة العربية توترات سياسية حادة ومواجهات عسكرية نتيجة عوامل متعددة. ويشكو العديد من الدول الشقيقة، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، من تدخلات خارجية تؤجج هذه الصراعات. إننا نرفض محاولة فرض وقائع سياسية في الدول العربية عن طريق القوة، بما يؤدي إلى تعريض الاستقرار في المنطقة للخطر، وإثارة الضغائن بين شعوب ودول لديها ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرق بينها. إننا نعلن تضامننا الكامل مع أشقائنا العرب، في كلّ ما يمس أمنهم واستقرارهم وسيادة أوطانهم ووحدة مجتمعاتهم، ونؤكد وقوفنا الدائم إلى جانب الإجماع العربي».
ورأى «أنّ المصلحة العليا للأمة الإسلامية، لا تتحقق إلا بالعودة إلى المخزون العظيم للاسلام الحق، وبالابتعاد عن سياسات التربص وزرع الفرقة، وبتجنيد كلّ الطاقات والثروات في خدمة الصالح العام للمسلمين».
ووجّه «نداء صادقاً إلى الدول الإقليمية، من أجل اعتماد مقاربات مختلفة للعلاقات في ما بينها، بما يعيد الثقة المفقودة، ويخفض التوترات المذهبية، ويفتح الطريق أمام علاقات تحقق الخير لبلدان المنطقة وشعوبها».
وإذ لفت إلى ما تتعرض له القدس من «اعتداءات يومية ممنهجة على ماضيه وحاضره ومستقبله، في محاولة لطمس هويته ومعناه، ولتغييب حقّ أصحابه إلى الأبد»، اعتبر «أننا مُطالبون بعدم السماح للأحداث التي تعيشها أمتنا، بأن تنسينا قضية العرب والمسلمين الأولى، ومدعوون إلى إيجاد السبل لوضع حدّ للهجمة الاستيطانية الإسرائيلية، ولإحياء العملية السياسية الهادفة إلى إيجاد تسوية على أساس حلّ الدولتين ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية»، لافتاً إلى «أنّ إسرائيل، العدو الأول لهذه الأمة، تتفرج على حروبنا وانهياراتنا. إنها تحقق علينا الانتصار تلو الانتصار، من دون أن ترفع إصبعاً أو تحرك جندياً واحداً، وتسعد بتفتت مجتمعاتنا وتفكك أوطاننا، وتحتفي بنزيف دمائنا وثرواتنا ومقدراتنا. إنّ ما نحن فيه من أوضاع بالغة الخطورة، يضع على عاتقنا مسؤوليات تاريخية كبيرة».
وختم سلام: «إنّ العالم الإسلامي يعجُّ بالطاقات البشرية المبدعة، ويفيض بموارد طبيعية وإمكانات مادية هائلة، ويستند إلى تراث ديني وفكري وحضاري غني. ولذا، فإنّ التاريخ لن يرحمنا، إن كان الإرث الوحيد الذي سنتركه لأبنائنا هو الخراب العميم. بمقدورنا أن نمنع ذلك، ولن يستطيع أحد، إن نحن عقدنا العزم ووحدنا الإرادات، أن يحول دون خروجنا من البؤس الراهن، إلى موقع في هذا العالم، يليق بنا ويفتح أمام أبنائنا باب الأمل»
وفي اليوم الأول للقمة التقى الرئيس سلام على هامش المؤتمر الملك سلمان بن عبد العزيز. كما عقد لقاء ثنائياً مع رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو في مركز اسطنبول للمؤتمرات وتناول البحث في الأوضاع والتطورات في المنطقة.
وبحث الرئيس سلام العلاقات الثنائية خلال لقائه كلاً من نائب رئيس جمهورية إندونيسيا محمد يوسف كالا و رئيس وزراء ماليزيا محمد نجيب عبد الرزّاق.