مختصر مفيد هكذا عاد سلمان بخفَّي حُنين من قمة اسطنبول

كان الاستعداد السعودي لضربة العمر كما تظهر التحضيرات التي سبقت حضور الملك سلمان بن عبد العزيز لقمة اسطنبول للدول الإسلامية التي انتهت أعمالها أمس، فقد وضع الملك وفريقه المعاون في روزنامة متسلسلة وسريعة لا تشبه إطلاقاً أسلوب التثاؤب في الحركة السعودية، فتحشد كل أوراق القوة السعودية، لتتوجّها القمة بإعلان تتويجه زعيماً للعالم الإسلامي، على قاعدة أنه رجل المواجهة مع النفوذ الإيراني، الذي شكل التفاهم على الملف النووي لإيران نقطة انطلاق لحضوره من موقع قوة الاعتراف بإيران كأول دولة إسلامية عظمى تنجح بدخول نادي الكبار.

كانت السعودية قد أعلنت إيران عدواً علنياً أولاً، ووضعت العلاقات مع «إسرائيل» في دائرة التبريد التدريجي لأي لغة عدائية، وصولاً للتنسيق العلني الأمني والسياسي، وانتهاءً بإعلانات سعودية و«إسرائيلية» تؤكد التقارب على قاعدة مواجهة عدو مشترك هو إيران، وخطر داهم هو حزب الله، وقلق مزدوج من تعافي سورية والانخراط الغربي مع دولتها كشريك في الحرب على الإرهاب. وبالتوازي مع هذا التدرج في الانتقال بالعلاقة العلنية مع «إسرائيل» من سلبية كاملة إلى إيجابية كاملة، كان يحدث العكس مع كل من إيران وسورية وحزب الله. فكانت حملة قطع العلاقات الدبلوماسية وتوصيف إيران كدولة حامية للإرهاب، وكانت الحرب المستمرة على سورية والحملة التي لم تهدأ فصولها بعد لتجريم حزب الله وشيطنته ووصفه بالإرهاب في أكثر من محفل ومستوى عربي ودولي.

جاء الإقدام السعودي على إطلاق صفارة قطار التسوية في اليمن عبر بوابة الهدنة وحوارات الكويت، بما يؤكد اتخاذه هذا القرار التاريخي بلا رجعة إلى الوراء، ووضعه بيده لإطلاقه إلى العلن في هذا التوقيت. مع أن شيئاً لم يتغير منذ بداية السنة على الأقل. فكان استقبال وفد من الحوثيين لأيام عدّة في الرياض، وتصريحات سعودية تشيد بالمحادثات وأجوائها، وكانت تغييرات لافتة في فريق حكم الرئيس منصور هادي، لا يفسّرها إلا طلب سعودي بتثبيت مكانة رجلها الأول في اليمن علي محسن الأحمر في مؤسسة الحكم، استباقاً وضماناً لمسار التفاهمات. فلعبت السعودية بالورقة الحاسمة التي تملكها، وهي بدء مسار التسوية اليمنية، فيما طائرة الملك السعودي تقلع إلى مصر، لتقول إن ليس على الرياض أي عبء تسعى إلى معونة من الآخرين على مواجهته، وتتفرغ للمعركة الأهم وهي حصر الصراع مع إيران، بينما تصالح مَن اتهمت إيران بالإرهاب بتهمة دعمهم، وهم الحوثيون، وتفتح النار على حزب الله وقائده وقناته الفضائية، والتهمة هي دعم الحوثيين في اليمن.

في مصر استثمر السعوديون عطشاً مصرياً غير مسبوق للمساعدات المالية، بعدما تحدّثت تقارير مصرفية عن خلو الخزينة المصرية من أيّ احتياطات، وعن مخاطر محيطة بسعر صرف العملة قد تحمل مفاجآت دراماتيكية. وكان مقابل المساعدة السعودية السخية قياساً لحال مصر وحال السعودية معاً، والبالغة خمسة وعشرين مليار دولار، ثمن مقابل كبير أعدّت له السعودية وهو ما سمّي باستعادة جزيرتَي تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية، بالتزامن مع مشروع إقامة جسر برّي يمر عبر الجزيرتين إلى سيناء. والأمر وفقاً لاتفاقية «كامب ديفيد»، لا يمر ولا يتم من دون موافقة «إسرائيلية» كانت جاهزة، ضمن اتفاقية تضمن وصول الطريق البرّي وخط أنابيب نفط مرافق له وصولاً إلى حيفا، لتشكيل نافذة استراتيجية متوسطية بين السعودية وأوروبا في تجارة النفط والترانزيت، تتفادى مضيق هرمز، الواقع تحت سيطرة إيران، ومضيق باب المندب الواقع تحت السيطرة اليمنية، والذي لم تتمكن حرب السعودية من ضمان إمساكه. وقناة السويس المصرية السيادة، وتضمن لـ«إسرائيل» مكانة ودوراً وعائدات تعوّض خسائرها وتطمئن قلقها مع المتغيرات الإقليمية.

وصل الملك السعودي إلى أنقرة وحقن الخزينة التركية بما تحتاجه هي الأخرى مع تراجع الاقتصاد التركي وعائدات الخزينة. وبدا له بعد ليلة مطمئنة أن كل شيء يسير كما هو مخطّط له. لكن حدث العكس فجأة، ليتتالى وصول الأخبار السيئة، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يقاطع القمة نزولاً عن إرادة تركيا ورئيسها التخريبي في مصر ووقوفه وراء تنظيم الإخوان، والرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني يحزم حقائبه للمشاركة في القمة غير آبه بالتسريبات عن مسودة بيان ختاميّ يجرّم إيران ويتهمها بالإرهاب ويضع حزب الله على لوائح الإرهاب. والصحافتان التركية والباكستانية تتحدّث عن حاجات الأمن القومي للتفاهم مع إيران على الأوضاع الحدودية ومخاطر الأكراد على تركيا والمتطرفين البشتون على باكستان، وتفرد صفحات للتعاون الاقتصادي الإقليمي مع إيران. فتركيا موعودة بدور منصة استقبال الشركات الغربية المتجهة نحو إيران مع زوال العقوبات، وباكستان تحتضن أنبوبَي النفط والغاز الذاهبين من إيران إلى الصين، و«إسرائيل» أكلت طعم الجزيرتين، وأفلتت من صنارة استجلاب ضغوط أميركية على الحلفاء للسير بالخطة السعودية. فواشنطن لا تبحث عن مشكلة مع إيران.

انتهت القمة بفقرة تقليدية معتمَدة منذ عشر سنوات على الأقل، لم يذكر فيها حزب الله، ودعت إلى علاقات حُسن جوار وأخوّة بين إيران وجيرانها وحلّ الخلافات بالحوار القائم على احترام متبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعاد سلمان بخفَّي حنين، وهو يسمع ما يتلى له من بيان القمة الذي يقول بتأييد حل سياسي سوري ـ سوري بقيادة سورية….

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى