قالت له
قالت له: لو كان لك أن تصفني بكلمة، فماذا تقول؟
فقال لها: الملكة أنت!
فقالت: لكنك كل يوم تعزلني عن عرشي.
فقال لها: ما تسمينه عزلاً هو تجريد من العصا كي تكون الملكة كما يجب أن تكون.
فقالت: وماذا يبتقى من الملكة عندما تجرّدها من قوة سلطانها؟
فقال: حضورها الساحر، وابتسامة الذكاء، وحرفة الشاطر.
فقالت: وأنت من تكون ما دمت تملك حق تجريد الملكة من العصا؟
فقال: حكيم المملكة ومستشار الملكة الأوّل، يمنحها النصيحة ويعطيها المشورة.
فقالت: لكنك حرمتها حق أن ترفض وهي الملكة؟
فقال لها: حق عزله هو الحق المطلق لها، وما دام حكيم المملكة فله أن يجرّد الملكة من العصا كي لا تشهرها بغير سبب، وتفقد المهابة.
فقالت له: لكنك تفعل ذلك عندما تمتشق الملكة عصاها في وجهك؟
فقال لها: لأن أبشع الأماكن لاستخدام عصا المُلك، إشهارها في وجه من نحبّ. فكيف للملكة أن تشهر العصا على فكرة وحكيم المملكة هو فكرة تحبّها، وليس رجلاً تتخذه لها. فإن فقدت هذا الحبّ عزلته، وما دمت تكرّرين تجريد العصا في وجه مستشارك، ففي المرة القادمة سأنصحه بتلقّي الضربات الأولى والاستقالة طالما تستصعبين الإقالة.
فقالت: لكنني لا أريد العيش من دونه ولا أحتمل فكرة أن أرميه في السجن، أو أنقله إلى خارج أسوار المملكة.
فقال لها: أنت تريدين المستحيل. فمملكة العبيد لا مكان فيها لحكيم ومستشار، وتكفيها العصا. وعندما تريد الملكة أن تتسكع يمكنها أن تشاغب بعصاها كطفلة تصنع منها مكنسة ساحرة، وتمرح مع رفقتها من الأطفال، ثم تعود متى شاءت إلى العرش وبيدها عصا المُلك، ولا حاجة لوجود المستشار.
فقالت: هل يمكن للمستشار أن يكون عاملاً لحسابها من غير دوام كامل، أو كما يقولون على القطعة؟
فقال لها: تجدين أفضل منه في هذه الحال. فلكل اختصاص تجدين مستشاراً.
فقالت: أعلم، لكنني أفضّل أن يكون هو مستشار المستشارين.
فقال لها: سأدرس وقتي والاقتراح.
فقالت: أيمكنني أن أقول إن المستشار لم يستقل بل استراح؟
فقال لها: ونلتقي بعد حين.
فقالت: ونستعيد ذكريات الحنين.
فقال لها: إذن، أنا أمضي وأنت تمضين.
واستدار كلٌّ لجهة، ومضيا بخطوات متثاقلة!