الرياض في اسطنبول… فشل متجدّد!
مصطفى حكمت العراقي
أنهت قمة منظمة التعاون الإسلامي الـ13 أعمالها في مدينة اسطنبول التركية بجلسة ختامية وسط خلافات حادّة نجمت عن الضغوط السعودية المطالبة بإدراج 5 بنود ضدّ إيران وحزب الله في البيان الختامي، دون إجماع أو نقاش بين أعضاء المنظمة.. البيان الختامي تضمّن بنوداً عديدة حول فلسطين ومكافحة الإرهاب والتطرف ووضع الأقليات المسلمة في العالم، إلا أنّ اللافت تمرير 4 بنود تستهدف إيران العضو المؤسس وخامس يستهدف حزب الله بطلب وتحريض سعودي ظاهر، وأميركي «اسرائيلي» في الباطن.. إذ دعت المسودة النهائية إيران والدول الإسلامية المجاورة إلى حلّ الخلافات بالحوار والحفاظ على علاقات الأخوة وحسن الجوار، وفقاً لمبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو كلام إنشائي تعوّدنا عليه مراراً وتكراراً في القمم الماضية..
إيران بدورها انتقدت أساليب بعض الدول لجهة فرض القرارات من مبدأ الترهيب والترغيب لدواع سياسية ضيّقة، وحذّرت على لسان مساعد وزير خارجيتها عباس عراقجي من أنّ المنظمة ستندم في المستقبل على قراراتها في إشارة إلى سعي الرياض للحصول على مكسب في حربها ضدّ المقاومة وإيران. كما انّ السعودية تسعى لنقل الخلافات إلى مجلس الأمن الدولي عبر التسويق لمشروع قرار يصنّف حزب الله إرهابياً ويعزل إيران، في مسعى لإفشال تطبيق مقرّرات الاتفاق النووي مع طهران، وكأنّ الرياض لا تزال تحلم بذلك، بالرغم من الحجّ المستمرّ لقادة العالم إلى طهران لكسب الودّ في الحصول على فرص استثمارية وتعاون اقتصادي في مختلف المجالات، وهو ما يجعل المسعى السعودي بالتوجه نحو المنظومة الدولية فاشلاً من الأساس، كما كان مسبقا في اجتماع وزراء الداخلية العرب وغيره من الاجتماعات الشكلية، لأنّ في مجلس الامن سيكون الرفض الروسي الصيني المزدوج والتجاهل الأميركي، ما يؤكد أنّ السعودية ما زالت غير مؤهّلة للعب أيّ دور على المستوى الدولي، وحتى في الاقليم، كون المستنقعات التي أدخلت الرياض نفسها فيها، لا تزال غير قادرة الى الآن على الخروج منها، فهي ليست غير منتصرة فحسب، بل حتى شكل الهزيمة المناسبة لها لم تتوصل اليه الى الآن.
وفي رأي العارفين، فإنّ ذلك يدلّ على حجم الضياع الذي تعيشه مملكة الرمال في هذه الأيام، فالعديد من العوامل جعلت حصول السعودية على دعم الدول الإسلامية الكبرى أشبه بالمعجزة، نظراً إلى تقاطع مصالح هذه الدول في متضادات كثيرة، فالرياض سعت لجعل مصر وتركيا وباكستان تقف معها في حلف لمواجهة إيران وإقامة توازن ردع ضدّها، لكنها اصطدمت بهذه العوامل التي كان أبرزها ملف «الإخوان المسلمين» في مصر الذي نسف بكلّ وساطات سلمان لمصالحة السيسي مع أردوغان، إضافة الى حجم ردود الفعل المصرية المتصاعدة على مستويات عدة لجهة رفض تسليم جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية، كذلك تقدير هذه الدول الثلاث لحجم التوغل السعودي في تسوية الازمة اليمنية التي ارتدّت على حلف الرياض بالهزائم المتعدّدة، ما جعل الشعور السائد هو الاعتراف بالعجز السعودي عن الاستمرار بالحرب وصولاً الى توسّل الرياض للحوثيين لتحقيق اتفاق سياسي يرضي الجميع، بعد ان كان هدف الحرب هو إزالة «انصار الله» من كلّ الخارطة اليمنية وجعلهم توابع للرياض في مستقبل الايام، اضافة الى المصالح الاقتصادية العديدة التي تربط بين إيران وتركيا وحتى باكستان في مجالات النفط وباقي المجالات الصناعية والتجارية وبالأخص في ما يتعلق بمشاريع أنابيب النفط والغاز الإيرانية الممتدة الى الصين عبر باكستان.
كلّ هذه المصالح المشتركة لم تتمكن الرياض من تعويضها لكسب قرار الدولتين في الوقوف بوجه طهران، فكانت تركيا وباكستان بمثابة الوسيط بين طهران والرياض، خلافاً لما كانت تريده الرياض بجعلهما رأسي حربة معها في حربها المعلنة ضدّ طهران، حيث لعبت المصالح الإستراتيجية المهمة لهذين البلدين مع طهران دوراً مهماً في اتخاذهما هذا التموضع، ما يعيد لأذهاننا تكرار وساطتهما السابقة في الخلاف السعودي الإيراني بعد أزمة الحجاج الإيرانيين وما تلاها من حرق لمقرّ البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، اضافة الى انّ الرياض لم تتمكن من لمّ شتات حلفها الداخلي اصلاً، إذ لم يكن الجهد الشخصي للملك السعودي سلمان كافياً لإقناع حليفه الأبرز الرئيس السيسي بحضور القمة تمهيداً لإجراء مصالحة بين الرياض وأنقرة، فقاطع الرئيس المصري القمة، كما سلَّم وزير الخارجية المصري سامح شكري رئاسة القمة إلى تركيا بكلمة مختصرة لم يراع في ختامها البروتوكول القاضي بالمصافحة عند تسليم الرئاسة رسمياً للرئيس الجديد للقمة، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأعلن تسليم رئاسة القمة الـ13 إلى تركيا وغادر المنصة قبل أن يصل إليها الرئيس التركي، ما يمكن اعتباره ترجمة طبيعية لمسار العلاقات المصرية التركية بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، إضافة الى انّ الدولة المصرية أرادت إرسال رسالة معلنة للعالم برفضها التصرفات التركية وتحديداً تصريحات الرئيس التركي المتكرّرة عن مصر، ما يشكل ضربة أخرى للرياض في محاولات ردم الفجوة العميقة والمتزايدة بين حلفائها الاساسيين، وهو ما يجعلها ضعيفة في نفسها وفي حلفائها، فكيف لها ان تنتصر رغم كلّ ذلك؟
في المجمل، فإنّ كلّ ما أعدّت له الرياض من شراء للذمم والمواقف، ومحاولاتها المتعدّدة على أعلى المستويات لكسب نقاط انتصار في حربها ضدّ المقاومة وكامل المحور الذي تنتمي إليه، قد أصيبت بالفشل مرة اخرى، ليتجدّد في ذلك العجز المكرّر الذي سيتأكد ويبرز للعلن بمجرّد حسم دمشق معركة حلب والتوجه نحو الرقة لتنكسر شوكة الإرهاب في سورية نهائياً، اضافة الى تطبيق ذلك سياسياً في محادثات جنيف الجارية حالياً.