أزمة اللاجئين العالمية… معضلة آيلة إلى مزيدٍ من التضخّم
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
نشرت «Crisis Group» بياناً جاء فيه:
يدعو مجلس أمناء مجموعة إدارة الأزمات الدولية، قادة العالم إلى اتخاذ إجراءات أكثر تنسيقاً، واعتماد خطة عمل أفضل لمعالجة أزمة اللاجئين العالمية. يضيء حجم المأساة على مدى مماطلة النظام الدولي في إدارة هذه الأزمة، ناهيك عن الصراعات المتعدّدة التي تستنزف حياة الناس اليومية.
تؤكد مؤشرات عدّة أن مستوى الصراع المميت آخذٌ في الارتفاع: ليس هذا الارتفاع الحاصل من قبيل المصادفة. فقد تسبّبت الحرب على سورية وحدها بطرد 12 مليون سورياً، رافعةً العدد العالمي للّاجئين والمشرّدين إلى 60 مليوناً، وهو الرقم الأعلى من أيّ وقت مضى. فأكثر من نصف لاجئي العالم تقريباً، أي حوالى 20 مليون، يشكلون أولئك الهاربين من حروب أوطانهم في: سورية، أفغانستان والصومال.
تهدّد هذه الأزمة بالأسوأ والمزيد، طالما أنها متروكة هكذا، من دون علاج. تتضح التداعيات السريعة للآثار الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والأمنية، وانتهاك حقوق الإنسان من خلال التدفقات السريعة والضخمة للاجئين، وذلك على الأراضي الحدودية للدول المجاورة لمناطق الصراع، مثل لبنان والأردن، تركيا واليونان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا وتنزانيا. ينذر الفشل في إدارة هذه المأساة بالمزيد من الصراعات، فضلاً عن أن تكلفته بالنسبة إلى الأجيال المقبلة لن تكون أقلّ قلقاً. فمن بين جميع الأطفال اللاجئين في العالم، يتمتع 50 في المئة منهم فقط بحقهم في التعلّم.
والأهم من ذلك، أنّ هذه الأزمة ليست فريدة في تكوينها، كما أنها ليست أوروبية خالصة. فالدول المجاورة هي التي تتحمّل العبء الأكبر بشكل مباشر: إذ إنّ 95 في المئة من نسبة اللاجئين السوريين يتمركزون في البلدان المجاورة. جيران بوروندي يتحمّلون القسط الأكبر من أعداد اللاجئين بسبب أعمال العنف في حين أن المخيم الأكبر للاجئين في العالم يقع في داداب شمال كينيا، ويضمّ أكثر من 330.000 لاجئ صوماليّ.
تساهم الجريمة المنظمة، وغياب الحماية الدولية في الثلث الشمالي لأميركا الوسطى باتّساع رقعة هذه الرحلة العنفية العالمية على نطاق واسع. وعموماً، فإن نحو 86 في المئة من مجموع اللاجئين حول العالم هم من سكان الدول النامية.
من الملاحَظ، أن أوروبا هي التي ساهمت في توليد هذا القلق الكبير حيال أزمة اللاجئين، وقد لاحظت «Crisis Group» أن عدداً من الأسئلة بدأت تُثار حول هذا الموضوع، وتحديداً لناحية إعلان هذه القارة، على أنها حالة استثنائية في ما يختصّ بأزمة اللاجئين. وقد استضافت بلدان عدّة بعيدة عن مناطق الصراع مثل كينيا، باكستان، تشاد، تايلاند، تنزانيا، الأردن وإثيوبيا، أعداداً هائلة من اللاجئين على مدى سنوات، مع ملاحظة الأعباء التي تكبّدتها هذه البلدان بسبب اللاجئين.
هي أسئلة صالحة للطرح في كلّ زمان حاليّ، إذ تفرض عدّة أسباب خاصة التركيز على أوروبا: إنها وجهة وهدف لكثيرين قدراتها التنموية والإنسانية طموحاتها السياسية الخارجية الطموحة ودورها المركزيّ في وضع المعايير الإنسانية. وعلاوةً على ذلك، فإن عدم إيجاد حلّ لهذه الأزمة، يهدّد استمرار بقاء الاتحاد المشروع الأكثر سلاماً والأكثر نجاحاً بين الدول في القرن المنصرم.
لدى الدول الأوروبية قلقٌ من كيفية ضبط دخول اللاجئين إلى أراضيها وتنظيمه. فالوضع الحالي يؤشر إلى مستويات عالية لعدم كفاءة تعبئة الموارد أعباء غير متكافئة بين دولة وأخرى عجزٌ في إقناع سكان هذه الدول بأن الوضع يخضع للسيطرة ودفعٌ بالقضية نحو الاستعانة بمصادر خارجية. تشكل هذه النتائج ـ بحدّ ذاتها ـ تهديداً للعالم: فالسياسات المتّبعة لا تلقي بالاً أو تبذل مجهوداً للتقليل من أعداد أولئك المتدافعين إلى دخول الأراضي الأوروبية تداعي التقيّد بقوانين الإنسانية وحماية حقوق الإنسان كلّها روايات مغموسة بالقلق، في قلب اتحاد يغزوه بالرعب.
الاستجابة
وفي إطار الاستجابة الفعّالة، من المفترض أن نأخذ بالاعتبار الأمور التالية:
ـ إن ارتفاع منسوب الأزمة الإنسانية تتجاوز قدرة أيّ دولة أو مجموعة دوليّة على استيعابها بمفردها. تلعب بعض الدول أدوارها بشكل فاضح في التعامل مع «تداعيات الأزمة»، وذلك بطريقة استعراضية، غير عادلة، ومن المعيب استمرارها.
ـ يشكل التعامل مع أزمة اللاجئين بهذه الطريقة، ظاهرة مميزة. كما تشكل جزءاً من ديناميكية أكبر لحركة الناس الجماهيرية. فهناك نحو 170 مليون مهاجراً عالمياً. وتشير الاتجاهات الديمغرافية، والضغط الاقتصادي، وضعف الدول، والتغيّر المناخي الحاصل، وتزايد عدم المساواة، أنه من غير المرجح أن تنحسر هذه الاتجاهات في الوقت القريب.
ـ إدارة جميع جوانب الأزمة. فبالنسبة إلى الدول المتهمّة، تلعب عوامل عدّة دوراً رئيساً في إدارة السياسة المحلية، الأمن، القدرة الاستيعابية، الالتزام القانوني، والعلاقات الدولية، التي ستشكّل محوراً هاماً يكمن وراء أيّ دورةٍ انتخابية. وسيتطلّب ذلك مزيجاً معقداً من الرسائل الصادقة، الاستجابة الفوريّة، والاستراتيجية الحذرة وطويلة الأجل.
تؤكد «Crisis Group» أن جميع الدول في الأمم المتحدة ـ لا سيما الأكثر قوّة وثراءً ـ قد اتخذت إجراءات بهدف العمل بانسجام للسيطرة على هذه الأزمة. ويشمل ذلك:
ـ الاستجابة الفورية للنداءات الإنسانية. ففي عام 2015، عُثر على ثغرات كبيرة في مجال التمويل، إذ عانى حوالى 1.6 مليون لاجئ سوري من نقص في الغذاء كما أن تمويل اللاجئين في مخيّم بوروندي لم يتجاوز ربع القيمة المطلوبة.
ـ الاحترام الكامل لحقوق اللاجئين. فالاتحاد الأوروبي، الذي أُسّس على سيادة حكم القانون، يتوجب عليه، بما لا يقبل النقاش أو الجدال، أخذ زمام المبادرة والكفّ عن القيام بالإجراءات الحالية المتوقعة، وعدم التقصير في التزاماتها حيال القانون الدوليّ. وفي الوقت عينه، هناك حاجة ماسة إلى إحلال نظام يكون أفضل تنظيماً، وأسرع في معالجة طلبات اللجوء.
ـ أولوية معالجة الأبعاد التنموية لهذه الأزمة على المدى البعيد، من خلال تقديم الدعم الحيوي لدول خطوط المواجهة، وإعادة التوطين، في ما يُعتبر استثماراً مسبقاً سيؤتي ثماره في تقديم مساعدات عدّة تحسباً لفشل الدولة، والصراع، ومزيداً من وفود اللاجئين.
ـ توسيع رقعة العمل في ما يتعلق بكيفية تحسين آفاق إعادة التوطين أو الاندماج المحلي للاجئين، أو توفير اتخاذ إجراءات الإقامة الموقتة، تخفيف جمع شمل الأسرة، وتوفير فرص العمل للاجئين وللمجتمعات المضيفة.
معالجة الصراع
وفي نهاية المطاف، فإن أيّ استجابة ذات مصداقية للأزمة من المفترض أن تعالج القادة الرئيسيين للحرب. ويبدأ هذا مع أكبر قدر من الاعتراف بأن الصراع هو في الواقع، سبب الرحلة الرئيس: الخوف من العنف الذي يبقى العنصر الأكثر جاذبية نحو دخول العالم الجديد. لا يبدأ تدفق اللاجئين مع بداية العنف بل يبدأ مع اشتداد العنف والأمل بتلاشيه. كذلك، فإن تزايد التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية، أضعف ـ وبشكلٍ مخيف ـ القدرة الجماعية على إدارة الصراعات. لا نأمل أن تسير الأمور بهذه الطريقة. ومع ذلك، هناك بعض التدابير التي يمكن اتخاذها، والتي تحتاج إلى قيادة أكثر تنسيقاً من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا سيما أعضاؤه الخمسة الدائمين، أكثر مما أبدوه في الآونة الأخيرة، ويتجلّى هذا في:
ـ إعادة التأكيد على سيادة القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان. بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين المحاصرين في، والهاربين من الصراع، حيث العنف المستطير، سواء لناحية التعقيد أو لناحية الرعب، وتناسب انحسار آفاق قراراتها.
ـ تجديد الجهود الرامية إلى حلّ تلك الصراعات، والمتولّدة عن الأزمة الطارئة للاجئي اليوم، واستكشاف جميع السبل المؤاتية للحوار، ووضع علاوة على الشمولية التي يجب أن تكون في صلب هذه المساعي، كما يجب بذل المزيد من الجهود لتسليط الضوء على الهدف التخريبي الذي تلعبه الأطراف المفسدة، وغيرها من الأطراف الثالثة في حروب اليوم. ستتابع «Crisis Group» العمل الحثيث على التوعية، ودعم مثل هذه العمليات في السعي إلى تحقيق السلام المستدام.
ـ وفي النهاية، على الدول الاستفادة بشكلٍ أفضل من المؤسسات العالمية التي عملت على إنشائها، لا سيما تلك المرتبطة بمنظومة الأمم المتحدة. كما يجب ألا يُسمح للدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، أن تستنزف جميع مقدّراتها، بل يُفترض السعي إلى إيجاد سبل لتعزيز عمل تلك الجوانب من الأمم المتحدة ـ بما في ذلك الوساطة، حفظ السلام، والإمكانيات والقدرات الإنسانية ـ والتي يمكن لها أن تساهم في تعزيز إدارة الصراع وتحسينها.
إن أزمة اللاجئين الطارئة، معضلة من الصعب إيجاد حلول لها، بل يتضح ـ وبما لا يقبل النقاش ـ أنها ذاهبة نحو المزيد من التضخّم مستقبلاً. وستعمل مجموعة إدارة الأزمات جاهدةً على تطوير حلول ذكية بهدف استئصال هذه المشكلة من جذورها.