المصيطبة كانت دائماً نابضة بحياة الحزب
إعداد: لبيب ناصيف
منذ العام 1934 عرفت المصيطبة الحزب، عندما انتمى جميل بتلوني، ثم تبعه شقيقه سليم. عنها يُكتب الكثير، وقد أعددت نبذة تضيء على تاريخ العمل الحزبي في المصيطبة سننشرها قريباً.
من نشاطات الحزب في المصيطبة، الاحتفال الحاشد الذي أقيم عام 1961 في منزل الرفيق رامز سري الدين وشقيقه المواطن يوسف 1 ، وشهد حضوراً كبيراً لأبناء المصيطبة. تكلم في الاحتفال الأمين مصطفى عزالدين، وكان يتولى مسؤولية منفذ عام بيروت، الامين عجاج المهتار الذي القى قصيدة، والرفقاء سيمون بهنا، عادل جمال، رامز سري الدين، وألقى الكلمة المركزية عميد الإذاعة في حينه الأمين إنعام رعد.
هنا وصف للاحتفال كما نشرته جريدة «البناء».
«انه عيدهم، عيد الأمة كلها… وهو عيد المصيطبة بشكل خاص، فالمواطنون هناك، اذ تسمعهم يتكلمون عن سعاده، تشعر كأنما هم يتكلمون عن ملحمة بطولية تاريخية قديمة، وهم وحدهم، لقربهم من منطقة الجناح الذي خضّبه سعاده بدمه، هم وحدهم استفاقوا على دويّ الرصاص الذي مزق ضلوع الشهيد البطل في الثامن من تموز.
ولن تكون تلك الاستفاقة على نهار ينقضي بمساء، بل على فجر تاريخ جديد تشعّ منه روح الزعيم وتضيء الطريق لأمة لن تعرف ظلاماً ولو انطفأت الشموس كلها.
ها هي الساعة الثامنة، المواطنون لا يزالون في طريقهم الى مكان الاحتفال، والقاعة والغرف والشرفات، والشارع العام، كلها تضيق بمئات من المواطنين والمواطنات…
وقف الرفيق سيمون بهنا، عريف الحفل، وافتتح الاحتفال مرحّبا بالمواطنين، باسم الحزب القومي الاجتماعي، ثم قدّم الرفيق عادل جمال، الذي تكلم باسم مديرية وطى المصيطبة، عن سعاده «الرجل الذي كشف عن حقيقة الأمة، وأنشأ جيلاً جديداً من الشباب المؤمن المناضل، وقضى على الميوعة والجهل، وبعث فينا القوة والمعرفة.
وتلاه الأمين عجاج المهتار، فألقى بعضاً من قصائده النارية التي أثارت الحماس في الجمهور المحتشد، والهبت شعور المواطنين فضجّ المكان مرات بالتصفيق الحادّ المعبّر عن التفافهم حول جنود سعاده، منقذي شرف الأمة، في المصائب والنكبات.
في هذا الجو الملتهب، وقف المنفذ العام الأمين مصطفى عزالدين وارتجل كلمة تحدث فيها عن «العجب الذي يأخذ البعض، اذ يشاهدنا نقيم احتفالاتنا في كل المناطق، على اختلاف الوانها المذهبية، في ظرف مضطرب يسود فيه القلق والخوف، وتسود فيه الهستيريا الطائفية… نقيم احتفالاتنا في جميع الاحياء والشوارع والمدن، جامعين الشعب من مختلف طوائفه وعشائره وعائلاته وسوياته الثقافية، في وحدة روحية، صفاً واحداً ويداً واحدة «.
وكانت الكلمة التي تبعت كلمة حضرة المنفذ، للرفيق رامز سري الدين، صاحب البيت، فأنشد قصيدة زجلية قوطعت مرات بالتصفيق، ولاقت استحسان المواطنين واعجابهم.
ثم اعتلى منصة الخطابة الأمين انعام رعد، عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وألقى كلمة تحليلية جامعة.
وكانت كلمة الختام لحضرة المنفذ الذي شكر المواطنين لتلبيتهم الدعوة ومشاركتهم في العيد، ثم ما لبث الاحتفال، وقد ادركت عواطف المواطنين والأصدقاء ذروة توترها ان انقلب الى مهرجان شعبي ضخم.
خطاب الأمين إنعام رعد
« ايها المواطنون،
اذ نحتفل بمولد هذه الحياة الجديدة، حياة النهضة القومية الاجتماعية، انما نحتفل بتبديل نفوسنا وتخلّصها من التقاليد البالية، ومن النقص ومن الفردية، من التراجع والانهزام والخوف، الى البذل والعطاء والفداء والوعي القومي الاجتماعي.
« بهذا اليوم الحي نحتفل بكلّ هذا ونسلك ضوء المعرفة على ما يدور في مجتمعنا من احداث وما يواجه مجتمعنا من مشكلات، نرى كم هو عظيم معنى هذا اليوم في بلادنا، وخاصة في لبنان أو بشكل محدود أكثر في بيروت حيث انتم لمستم في الأيام الأخيرة، كما لمستم في الأيام الماضية وكما ستلمسون دائماً، طالما الحالة على ما هي. لمستم كيف أنّ الشعب خارج هذه النهضة القومية الاجتماعية لم يزل شعبين، وكيف انه له جناحان لا يلتقيان، جناح البسطة وجناح الجميزة، جناح المسيحية المتعصبة وجناح المحمدية المتعصبة… جناح التعصب الطائفي، سرطان الأمة الذي ينهك جسمها ويفرق ويبعثر مجهودها ويلقيها لقمة سائغة أمام الارادات الأجنبية.
ما هو الحلّ لهذه المشكلة وكيف يمكن أن نجمع الجناحين حتى تصبح الأمة أجنحة ترفرف من جسم واحد لا من جسدين لا يلتقيان، وتصبح الأمة قضية واحدة ومصيراً واحداً.
« لقد جرّب أساطين السياسة، جرّب الأطباء الكذبة مدّعو الطب، ولائحة العقاقير لا تصنع طبيباً كما قال الزعيم، جرّب هؤلاء ان يخلقوا نماذج من وحدات متقاسمة واتحادات وهمية، فتارة باسم الميثاق الوطني، ومرة على اساس زيادة عدد النواب لإرضاء الغاضبين والزعلانين، ومرة على أساس مساومات يقوم بها الرجعيون المتطرفون من هذا الجانب، أو الرجعيون المتطرفون من ذاك الجانب، ليتفاهم الرجعيون من الجانبين على كيفية قيادة الشعب الى الهاوية.
« كلّ هذه المسكنات لم تحلّ المشكلة وبقي الشعب يتخبّط في انقسامه، وبقي الشعب مشتّت الإرادة موزع العزيمة غائب عن عينيه الهدف من وجوده. والنهضة القومية الاجتماعية لم تأت بأنصاف الحلول. صاحب هذا العيد، سعاده، لم يجمع المسيحيين والدروز والمحمديين على تسويات موقتة، لم يجعلهم يتساوون في التضليل، لم يجعلهم يأتون مبرقعين بالمجاملات الكاذبة.
« سعاده فعل أمراً واحداً هو الذي أنقذ القوميين الاجتماعيين من سرطان الطائفية مرة والى الأبد.
لقد بدّل ما في نفوسهم، بدّل ما في معتقداتهم الفكرية والاجتماعية، فلم يعد واحدنا ينتسب لهذه الطائفة على أساس الوظائف والمنافع، ولم يعد واحدنا يشعر بولاء طائفي يتخبّط فيه ليحظى فيه ولاء مجتمعه وولاء أمته. سعاده علّمنا الولاء القومي الاجتماعي فصرع الطائفية في نفوسنا وحرّرنا منها، فلم نعد في القضية القومية الاجتماعية قطعاناً تجتمع ظرفياً او موقتاً، بل أصبحنا جماعة حرة واعية تدرك أنها مرتبطة بوحدة المصير ومصدر الحياة، في وحدة الشعب وفي وحدة الأرض، ولم يكن هذا مجرد أقوال أو كلام، ولم يكن هذا التوحيد في النفوس مجرد توحيد في النظريات، بل كم تحققت الأمة منا في ظروف عسيرة وساعات عصيبة.
« يوم انقسم المواطنون الى طائفيين وبقيت فئة وحيدة يموت الدرزي فيها الى جانب المسيحي، الى جانب المحمدي فتمتزج دماؤهم معاً من أجل قضية واحدة لا من أجل مجموعة فسيفساء من القضايا، من أجل قضية واحدة هي قضية الأمة، ومصير واحد هو مصير الشعب… تلك الفئة التي برهن نضالها في سجونها، في إعدامها، في تشريدها، في ساحات القتال العملية، على أنها وحدة لا يمكن ان يقف فيها رياح التفرقة، هي فئة القوميين.
فهي مثلاً لا تنظر الى التوسع الانفلاشي الذي يستتر بعبارات منمّقة، لا تنظر الى هذا التوسع المنفلش من خلال نظرة طائفية منمقة لأننا نقول بقومية ذات لون آخر، ولكننا ننظر الى هذا التوسع المنفلش من ضمن نظرتنا القومية الاجتماعية التي تقول بأنّ أساس الأمة هو وحدة الشعب، وحدة البيئة الطبيعية وكلّ ما انفلش عن وحدة البيئة الطبيعية انما يدور على غير محوره، انما هو اتحاد اصطناعي لا يقوم على أساس، انما هو اتحاد عاطفي يزول كما اتى بالعاطفة وبالاصطناع.
« نحن لا ننظر من ناحية أخرى الى لبنان كما ينظر بعض مواطنينا الخاضعين للحسّ الطائفي، فيرون في لبنان ملجأ للطوائف، للأقليات، ويفضلون تضامن لبنان مع الشيطان دون التفاهم مع أشقائه وجيرانه الذي ارتبط وإياهم في وحدة المصير والطبيعة… نحن لا ننظر الى لبنان عالماً منفصلاً قائماً بذاته، بل ننظر الى لبنان على حقيقته نطاق ضمان للفكر الحرّ، حصناً للقيم الجديدة، حصناً للفكر والحرية، حصناً للنهضة القومية الاجتماعية، قلعةً تحمل رسالة النهضة الجديدة لتطوّر بيئتها الطبيعية كلها لكي لا يبقى النور تحت المكيال في لبنان، بل في ظلّ البيئة الطبيعية فيكشف عن لبنان وعن الشام وعن الأردن وعن العراق وعن فلسطين المغتصبة أذيال استعمار، غربياً كان أم شيوعياً ام صهيونياً مستعرباً جاء أم من داخل الأمة بواسطة الانقسامات الطائفية والاقطاعية…
« نحن ننظر بألم شديد الى الذين يقاتلون ظلمة الطائفية المحمدية بظلمة الطائفية المسيحية لأننا ندرك أنّ حرب الطائفية للطائفية هي انحطاط وتدهور، نحن نحارب الطائفيين اياً كان لونهم بنور لا بظلمة. وهذا النور هو نور الاخاء القومي.
« نور التحية القومية الاجتماعية، نور الولاء للوطن والارض، نور النهضة التي وحدتنا ورسختنا في صفوفها فأصبحنا مداميك متكاملة من بناء شامخ، وليس لبناً وطيناً وخيماً تذريها الرياح.
النهضة القومية الاجتماعية ايها المواطنون، ليست شيئاً غريباً عنكم، انها تجسيد وتعبير لكلّ ما في نفوسكم من خير وحق وجمال. انّ القوميين الاجتماعيين لا يزعمون ولا يدّعون انهم هبطوا من طينة او غيمة من غير طينتكم او من غيمة ليست فوق أرضكم، انهم يفخرون انهم من هذا الشعب النبيل وانهم منكم انتم، اخوتكم وابناؤكم، اصدقاؤكم وأحباؤكم. ان للقوميين الاجتماعيين فضلاً واحداً هو انهم قد اكتشفوا انهم من هذا الشعب النبيل، وقد اكتشفوا نبل وعظمة واصالة هذا الشعب الذي هو انتم.
« فهذا اليوم ليس للقوميين الاجتماعيين وحدهم، انه عيد النهضة، عيد هذه المعرفة الجديدة، معرفتنا لأنفسنا ومعرفتنا لشعبنا. فهو عيد الشعب كله، عيد يقظة الأمة ويقظة الشعب، يقظة الضمير القومي. فلنفرح جميعاً لأننا اليوم، وسط الكوارث والمحن المحدقة بأمتنا، عرفنا ما هي امتنا وعرفنا مكامن العظمة والقوة في امتنا، والمعرفة هي طريق القوة. نحن نتحدّى الضعف الذي في أمتنا بالقوة التي تولدها معرفتنا لهذه الأمة وللعظمة الكامنة فيها. هذا اليوم هو يوم المعرفة، يوم القوة، يوم تحدّي الضعف والانهيار والانحلال في أمتنا لذلك نحن نفرح في هذا اليوم».