البحث جارٍِ عن فكرة تائهة ليست سوى مفتاح قصيدة لشاعر مسؤول!
النمسا ـ طلال مرتضى
في الساعة الثانية عشرة من الحلم وخمس قبلات، رنّ منبّه الشوق على حين فكرة، ومن دون سابق عناق، معلناً موعد اجتراع القصيدة.
هذه المرة لا تشبه مثيلاتها، فالقصيدة أنثى غيداء الفكرة، غاوية حين تمرّر شيئاً من فتنتها عبر شريط التصاوير، لربما تتناسى عن عمد زرّ قميصها مفتوحاً، ليتلصّص منه نهد متوثّب، بحلمة مدبّبة تنتظر موعد مدفع الإفطار. هذه المرّة لا تشبه مثيلاتها، حين راودتني ضلالة كتابتها، كنت قوياً حدّ الكفاية، فأنا العابد الناسك أحفظ عن ظهر قلب كل عظات «الحصن الحصين»، أتلو قبل نومي ما تيسّر منه، الشاعر المؤمن يقهر ألف نبيّ مزيّف، لا تشغله قصص الشرائع والأديان، قبل كل نوم يدقّ باب الله، لا يخجل حين يسأله، أن يعطي من يحبّ السعادة، وقبل أن يغفل راجعاً إلى وسادة نومه، منهمكاً في تأويل الخيط الأبيض من الأسود إيذاناً للصلاة، بِاسم الشافي، بِاسم المعافي، عبر غبش الخمول يتسلّل سراب الفكرة. الشاعر القارئ يعرف أن عصا موسى صارت أفعى، لكنّه لم يصدق أن الأفعى التي تجلّت في صور القصيدة، صارت نهر نبيذ. قليل منه لا يفسد في الودّ صلاة. الشاعر المؤمن، الشاعر القارئ، لا يماري موعد صلاته، يخبّئ فكرته تحت الوسادة، يرتّب صورها حسبما يرتأي، وحتى لا تخلط الرؤى مع الرؤيا، يترك حيّز أمان بين المعنى وشبهة الكنايات، ثم يسلّم مقاليد جفونه لمليك النوم المتذمّر من سلطة النور، ينفخ ملء فمه ليطفئ القمر. مليك النوم مثل حارس مسلسل «باب الحارة» الدمشقي، دائم التوجس، يغلي شاي نعاسه على جمر نوبات التثاؤب. هو متأكد بألف حدس أن التسلل إلى حياضه من تاسع المستحيلات. الشاعر الذي أسلم توّاً كل جوارحه للراحة، قصيدته تحت وسادته، القصيدة خبز كفاف يومه الآتي، مثل حرز يقيه شرّ جماهير الشعر المتعطشة ذات أمسية. القصيدة العذراء تقتل شاعرها حين يتجاهل نداءها، لا تقوى على النوم تحت الوسائد، تلعن الشاعر المهمل شرّ غضب، تكره الشاعر المؤمن. الشاعر القارئ.
تقول: متحذلق أكثر ممّا ينبغي، ولا تحاتيه، لأنه لا يعرف من سُبلها إلا النظم والمعمار. قرب السرير، تتجلّى بكامل غنجها، تتعرّى من كلّ ظنونها، تبدأ فتح سحاب تفاصيلها المبهمة، في الجنة توت يانع القطاف، ونهر من خمر اللذة، كلما نهلت منه، تقول: هل من مزيد!؟
تفك أزرار رغبتها، الزرّ تلو الزرّ، في الزرّ الأول من بعد منتصف الصدر، ثديان مكوّران رخاميان، تدخل «مارتن أنجلو» بوضع لمساتهما الأخيرة على بوابة روما العظمى، ولربما يقاربان في الشبه، غزالين ملا الوقوف على شرفة الصدر، ظلّ محمية لأمير عربي بطر، في الزر الثاني من الشهقة، تسطع شمس، عند الوهلة الأولى من متعة النظر، يغطّي الرائي عيونه خوفاً من العمى، في الزرّ الثالث من الحلم، يسمع الشاعرُ القارئ، الشاعرَ المؤمن، في الساعة الثانية من ليل الاشتهاء قبل القبلة الأولى بقليل، صوت نداء صلاة الفجر، يستفيق على عجل، يستلّ من تحت الزرّ الأخير، بطن القصيدة سجادة صلاة، ييمّم وجهه صوب الديوان، يتلمّس نداوة ملساء تغمر ثيابه، تكسر ريتم الكتابة، يتذمر، يرفع الوسادة كي يريح القصيدة… رأيته نصف عارِ يجوب شوارع المدن الفاضلة، مثل أحدب نوتردام، عيونه ترمي بشرر كتاجر البندقية، لا يكفّ عن مخاطبة عابري السبيل: «يا معشر الشعراء، لا تأمنوا القصائد، مجنون من يترك قصيدة تحت وسادة».
قال قائل: قبل قليل شاهدت في غير مصادفة، فتاة غيداء، ربما حورية، تدلف البحر. هو ليس متأكداً ممّا روى، قال: صرّح شاعر مسؤول بما يلي: «للتو خرجت من رأسي فكرة بكر إلى جهة غير منشورة، البحث جارٍ عنها في الصحف، ليكن معلوماً، هي مفتاح قصيدتي الجديدة».