مظاهرات أميركية ضدّ فساد الانتخابات
حميدي العبدالله
اعتقلت الشرطة الأميركية 400 متظاهر أميركي كانوا يحتجون أمام الكونغرس ضدّ الفساد المالي في الانتخابات.
من المعروف أنّ المال أصبح سلاحاً فعّالاً في الانتخابات الأميركية إلى درجة أنّ متوسط كلفة الحملة الانتخابية لأيّ عضو مرشح لمجلس الشيوخ أو النواب الأميركيّين تجاوزت في دورات عديدة 25 مليون دولار. وبديهي أنّ كلفة الحملات الانتخابية تضع مفاتيح السلطتين التشريعية والتنفيذية بأيدي الشركات والأغنياء، لا سيما أنّ انتخابات الرئيس الأميركي باتت كلفتها تفوق مليار دولار.
وعندما يفوز المرشحون بقوة دعم ومال الشركات، فمن الطبيعي أن تكون تشريعاتهم تشدّد على الحفاظ على مصالح الشركات بمعزل عن انعكاس ذلك على عامة الشعب الأميركي، ولعلّ هذا هو الذي دفع الشرائح المتنوّرة في المجتمع الأميركي إلى توجيه انتقادات لهذه الظاهرة الخطيرة منذ فترة طويلة، وفي كلّ مرة جرت فيها الانتخابات، نشرت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة تقارير عن دور المال في نجاح أو فشل المرشحين، كما نشرت تقارير أخرى توجّه انتقادات حادّة لهذه الظاهرة السلبية التي أفرغت الديمقراطية الأميركية من أيّ مضمون، وساهمت في تعويم المرشحين المدعومين من الشركات والأغنياء على حساب عامة الشعب الأميركي الذي يعاني من فساد الحكم نظراً لهيمنة مصالح الشركات عليه.
الجديد في الانتقادات الموجهة إلى دور المال في الانتخابات الأميركية هو خروج مظاهرة أمام الكونغرس، وربما هي من المرات النادرة التي تحصل مثل هذه المظاهرة ويقع صدام بين المتظاهرين والشرطة وتقوم الشرطة باعتقال حوالي 400 متظاهر.
قد لا تكون هذه المظاهرة الاحتجاجية التي اقتصرت على المئات ولم تشارك فيها ألوف مؤلفة من الأميركيين مسألةً ذات بال، في بلد يصل عدد سكانه إلى أكثر من 300 مليون نسمة، ولكن إذا أخذت هذه التظاهرة في سياق ما كشفت عنه الانتخابات من ظواهر أخرى جديدة تحدث للمرة الأولى في الولايات المتحدة، فعندها يمكن النظر إليها بشكل مختلف، إذ كشفت الانتخابات التمهيدية في الحزبيين اللذين تناوبا على الحكم في الولايات المتحدة منذ تأسيسها وقيامها كدولة مستقلة، عن نزوع داخل النخبة الأميركية نحو رفض القيم التقليدية التي اعتمدها الحزبان على امتداد أكثر من 200 عام.
وقد تجلى هذا النزوع بصعود نجم المرشح دونالد ترامب في الحزب الجمهوري الذي وجه انتقادات حادّة للسياسات التقليدية التي اعتمدها الحزب، لدرجة أنّ ثمة من يتحدّث عن احتمال حدوث تصادم وحتى ما يشبه الحرب الأهلية إذا ما أصرّت قيادة الحزب الجمهوري على عدم احترام رغبة الناخبين الجمهوريين، بل إنّ ترامب هدّد بالترشح كمستقلّ، وإذا ما حدث ذلك سيكون حالة نادرة في تاريخ الانتخابات الأميركية. وحراك النخبة الأميركية المعارضة للسياسات التقليدية لم يقتصر على الحزب الجمهوري، بل إنّ الحزب الديمقراطي يشهد هو الآخر ظاهرة مماثلة تجلت بصعود نجم المرشح بيرني ساندرز الذي يوصف داخل الحزب بالمرشح الاشتراكي، أيّ أنه لا يؤمن بالقيم التقليدية للديمقراطيين.
لا شك أنّ التظاهرة ضدّ الفساد المالي في الانتخابات وأيضاً ما يجري من حراك داخل الحزبين تشكل مؤشرات عن مخاض جديد في الولايات المتحدة.