كفة المقاومة راجحة في ميزان الخسائر والأرباح…

د. عصام نعمان

وافقت فصائل المقاومة الفلسطينية على هدنة إنسانية غير مشروطة لمدة 72 ساعة كانت دعت إليها الأمم المتحدة. المقاومة وافقت على الهدنة لأنها غير مشروطة ولأن مرجعيتها الأمم المتحدة. لا التزام، إذاً، من المقاومة تجاه «إسرائيل» بوقفٍ مشروط لإطلاق النار، ولا تنازل عن أي من مطالبها وفي مقدمها رفع الحصار. لذا، المقاومة مستمرة بالمواجهة رداً على أي فعل عدواني إسرائيلي.

حكومة بنيامين نتنياهو وافقت، ظاهراً، على الهدنة الإنسانية بدافعين: محاولة لجم السخط العالمي المتزايد عليها نتيجةَ مجازرها الهمجيّـة في قطاع غزة، والتركيز على منطقة رفح كمحور جهد عسكري لتحقيق هدفها المعلن بإنهاء شبكة الأنفاق.

حكومة مصر امتعضت لصدور الهدنة الإنسانية عن الأمم المتحدة. عبّرت عن امتعاضها بالاعتذار عن عدم استقبال الوفود الفلسطينية والإسرائيلية والأميركية التي كانت في طريقها إلى القاهرة لمباشرة مفاوضاتٍ حول مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار. قيل إن سببين وقفا وراء امتعاض القاهرة: الأول، تمسّكها بمبادرتها ورفضها أي مبادرة أخرى سواء من الأمم المتحدة أو من تركيا وقطر. الثاني، مراعاة «إسرائيل» التي احتجت لديها على قيام المقاومة بأسر أحد ضباطها حياً في منطقة كرم أبو سالم.

كِلا السببين أقبح من ذنب. فالمبادرة المصرية ليست قرآناً منزّلاً يستحيل تعديله أو تأجيل «اعتناق» مُثُله العليا، وأسر ضابط «إسرائيلي» ليس كارثة إنسانية يقتضي مواجهة تداعياتها قبل التوقف عن إراقة دماء الفلسطينيين وهدم منازلهم على رؤوسهم. ثم، ألا تدري القاهرة أن إعاقة وقف إطلاق النار تعني الترخيص السافر لـِ «إسرائيل» بمتابعة ارتكاب المجازر والتدمير والتشريد وقصف المستشفيات ومدارس الأونروا وغيرها من مآوي المدنيين الأبرياء؟

الأغرب من موقف مصر مسارعة الولايات المتحدة إلى مطالبة المقاومة بالإفراج عن ضابطٍ أسير لم تتبنَّ كتائب القسام أصلاً عملية أسره، وكأنه كان ضحية عملية اختطاف عادية مقابل فدية مالية!

من الواضح أن نظام السيسي، بالجهل أو التجاهل أو التواطؤ، بات بسلوكيته المشبوهة جزءاً من مخطط غربي عربي يرمي الى تجريد المقاومة الفلسطينية، كما قوى المقاومة العربية، من السلاح حمايةً لأمن «إسرائيل» ولمصالح الدول الأطلسية في المشرق العربي.

من الواضح أيضاً أن «إسرائيل» فشلت في تحقيق هدفها المعلن وهو إنهاء شبكة الأنفاق التي تغطي قطاع غزة وتمتدّ منه إلى داخل الأراضي المحتلة في النقب، الأمر الذي يهدد المستعمرات الصهيونية الكائنة في غلاف القطاع من الشمال إلى الشرق. صحيح أن الجيش «الإسرائيلي» زعم أنه تمكّن من «معالجة « بعض تلك الأنفاق الكائنة على الخط الأخضر، لكن «المعالجة» تناولت، على ما يبدو، الأجزاء الحدودية من الأنفاق وليس امتداداتها داخل القطاع. ذلك أن توغّل القوات والمدرعات «الإسرائيلية» في الداخل يقرّبها من مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية ويجعلها تالياً في مرمى مدفعية المقاومة وصواريخها الفتاكة.

لتفادي مزيد من الخسائر البشرية والمادية، لجأت «إسرائيل» إلى «عقيدة الضاحية» التي تقضي بتدمير العدو، بشراً وشجراً وحجراً، وتحويله الى أرض محروقة بغية جعل قيامته مستحيلة أو صعبة، وفي مطلق الأحوال تتطلب زمناً مديداً. غير أن المقاومة ظلّت صامدة، صلبة وذات نَفَس طويل.

إلى ذلك، ليس في الأفق ما يشير إلى أن قيادة المقاومة في غزة بصدد الموافقة على تهدئة لا تكون مقرونة بتحقيق مكاسب محسوسة بعد الثمن البشري والمادي الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني في القطاع. مع ذلك، وعلى رغم موافقتها على هدنة إنسانية غير مشروطة قد تكون مقدمة لتهدئة أو لهدنة طويلة فإن المقاومة تبقى، في حال وقفٍ غير مشروط لإطلاق النار، الطرف الرابح عند التدقيق في ميزان الخسائر والأرباح على النحو الآتي: أولاً، احتفظت بقيادتها العسكرية والسياسية الموجودة في القطاع سليمة وفاعلة.

ثانياً، احتفظت ببنيتها العسكرية، لا سيما تلك الكائنة تحت الأرض من أنفاق وتجهيزات ومصانع تجميع وتصنيع وترميم للأسلحة والصواريخ، سليمة وعاملة.

ثالثاً، اكتسبت خبرة قتالية ثمينة في وجه العدو «الإسرائيلي» من خلال استخدام أسلحة ومناهج قتالية نوعية مكّنتها من نقل الحرب الى عمقه وعلى مدى فلسطين المحتلة كلها، كما مكّنتها من كشف ثغرات خططه العسكرية وتفشيل أسلحته المتقدمة ولا سيما «القبة الحديد»، وشلّ مرافقه الحيوية وإرعاب سكان مستعمراته أياماً وأسابيع.

رابعاً، حرّكت الشعب الفلسطيني في الضفة والأراضي المحتلة عام 1948 والأردن والشتات، وحققت وحدته الوطنية على الأرض وفي وجه العدو، وأطلقت تعبئة شعبية لافتة أسهمت بدورها في تعزيز تقارب الأوساط القيادية الفلسطينية، وتطوير مواقف قيادتي السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في الحاضر والمستقبل لمصلحة المقاومة.

خامساً، أعادت قضية فلسطين إلى صدارة القضايا الاقليمية والدولية، الأمر الذي يرشحها للارتقاء الى مستويات عالية من الاهتمام الإقليمي والدولي وربما الى إسقاط اتفاق أوسلو وملاحقه، وإلى توفير مصادر التمويل اللازم لإعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي.

إلى أين من هنا؟

«إسرائيل» تبدو مرتبكة. بعض قادتها يميل الى توسيع دائرة العدوان لفصل جنوب القطاع عن وسطه وشماله. بعضهم الآخر ينصح بالمزيد من الضغط العسكري أملاً بحمل المقاومة على الرضوخ.

في المقابل، تبدو المقاومة مصممة على المواجهة، في حين تبقى الهدنة متعثرة بألاعيب اللاعبين الكبار ومصالحهم من جهة، ومحكومة من جهة أخرى بتصميم المقاومة، شعباً وفصائل، على الصمود والمواجهة لضمان دحر العدو.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى